صدرت الإرادة الملكية السامية بحل مجلس الأعيان الحالي وإعادة تشكيله، ذلك على الرغم من عدم انتهاء مدة عضوية الأعضاء فيه، والتي حددتها المادة (65) من الدستور بأربع سنوات شمسية. فالممارسة الدستورية تشير إلى أن مجلس الأعيان يتشكل في الفترة التي يبدأ فيها مجلس النواب مدته الدستورية، فيسيران معا في المدة الزمنية ذاتها. إلا أن المشرع الدستوري قد أعطى الحق لجلالة الملك بحل المجلس المعين في أي وقت يشاء، واختيار أعضاء جدد بهدف تعزيز الدور الرقابي للمجلس الأعلى على المجلس الأدنى، وهو مجلس النواب.
إن حل مجلس الأعيان لم يكن استحقاقا دستوريا كما فسّره البعض؛ حيث جرى الإدعاء بأن هناك عُرفا دستوريا يقضي بضرورة إعادة تشكيل مجلس الأعيان بعد مرور سنتين من عمره. فهذا القول يعوزه الإثبات والسند القانوني؛ ذلك أن الركن المادي في العُرف الدستوري المتمثل بقيام السلطة التنفيذية بحل مجلس الأعيان بعد انتصاف عمره الدستوري بشكل مستمر ومتواصل دون انقطاع غير متحقق. فهذا السلوك لم يحدث على الأقل خلال مجالس الأعيان الخمسة الماضية.
فمجلس الأعيان السابع والعشرون قد أنهى أربع سنوات شمسية من عمره، في حين تقرر حل مجلس الأعيان السادس والعشرين بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا من تشكيله. أما مجلسا الأعيان الرابع والعشرون والثالث والعشرون، فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بحلهما بعد أقل من سنة من تشكيلهما. وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا يوجد هناك عُرف دستوري يقضي بحل مجلس الأعيان وإعادة تشكيله بعد مرور سنتين من عمره الزمني.
وتبقى المبررات الملكية لحل مجلس الأعيان وإعادة تشكيله سياسية بامتياز. فقد اختار جلالة الملك تطبيق المادة (64) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022، والتي توسعت في الفئات السياسية والقضائية التي يحق لها العضوية في مجلس الأعيان. فالنص الدستوري بعد التعديل قد أجاز بشكل واضح وصريح لرؤساء وقضاة المحكمة الإدارية العليا والمحكمة العليا الشرعية، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية أن يتم اختيارهم أعضاء في مجلس الأعيان، إلى جانب إلغاء الحكم الدستوري الذي كان يجيز الجمع بين منصب الوزارة والعضوية في مجلس الأعيان، وذلك تك?يسا لمبدأ الفصل بين السلطات.
وما يعزز من اختيار جلالة الملك الجانب السياسي لإعادة تشكيل مجلس الأعيان دون الاعتبار الدستوري أن ما يقارب نصف عدد الأعيان السابقين قد جرى استبدالهم بأعضاء جدد في المجلس الجديد يمثلون أطيافا سياسية واقتصادية وأمنية مختلفة. كما يضاف إلى هذا التشكيل إعادة الثقة برئيسي وزراء سابقين لهما باع سياسي واقتصادي طويل، حيث سيشكلان إضافة جديدة للعملية التشريعية ابتداء وللدور المحوري الذي يقوم به مجلس الأعيان في ضبط ايقاع السياسة العامة للدولة، والعمل كمجلس من الخبراء الذين يتوجب عليهم تقديم النصيحة والإرشاد في الموضوعا? ذات الصلة بالشأن العام.
كما تُظهِر التشكيلة الجديدة لمجلس الأعيان أنه قد جرى الإبقاء على شخصيات سياسية واقتصادية وازنة، واسنادها بأسماء أخرى لها خبرة مميزة وسنوات طوال في العمل العام، ستسهم في رفد المجلس بخبراتهم الوزارية والمهنية لدعم مشاريع التحديث الشامل في الدولة الأردنية.
كما سيكون لحضور الرئيس السابق للهيئة المستقلة للانتخاب وأحد الأعضاء السابقين في مجلس مفوضي الهيئة دور فاعل في توجيه البوصلة العامة نحو المضي قدما في تنفيذ مشروع التحديث السياسي، الهادف إلى تعزيز المشاركة في صنع القرار والوصل إلى أحزاب برامجية فاعلة تمثل المجتمع الأردني. هذا بالإضافة إلى الاستعانة بأعضاء مميزين من لجنة تحديث المنظومة السياسية، الذين ساهموا في إخراج توصيات قانوني الأحزاب السياسية والانتخاب إلى حيز الوجود.
وتستمر الدولة الأردنية في سياستها القائمة على تطبيق المادة (6/6) من الدستور التي جرى استحداثها في عام 2022، والتي تخص تمكين المرأة ودعمها للقيام بدور فاعل في بناء المجتمع بما يضمن تكافؤ الفرص على أساس العدل والإنصاف. فقد زاد تمثيل المرأة في المجلس الجديد من خلال اختيار كفاءات إدارية وأكاديمية وتربوية محترمة، بشكل يعكس حرص الدولة على تعزيز مكانة المرأة ودورها في مختلف الجهات والمؤسسات الدستورية.
ويبقى الرهان على المجلس الجديد بأن يلتقط الإشارات الملكية بأن الدور المرجو من الأعضاء الجدد يجب أن يرقى إلى المستوى المأمول من مجلس الحكماء والخبراء، وبأن رفد مجلس الأعيان بدماء جديدة قد تزامن مع التعديل الحكومي الأخير، بحيث أصبحت الرسالة الموجهة لأعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية واضحة تكمن في أن مخرجات لجنة التحديث السياسي يجب أن يتم الدفع بها نحو التطبيق العملي للنصوص التشريعية المستحدثة، وأن عمليتي التحديث الاقتصادي والإداري يجب الإسراع بهما وإخراجهما إلى حيز النور، ليكتمل المشهد الإصلاحي للدولة الأر?نية في مئويتها الثانية.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية