أما قبل
فإن أول محاولة شعرية في العائلة-عائلتي طبعا-انبثقت من جدتي «تمام» في منتصف ثلاثينات القرن المنصرم، حينما مات حمار العائلة العزيز، فقد نادت على أمي (مرثا) زوجة أبي الأولى، وجلست تبكي (تمعد) على الحمار، وهي تقول:
يا مرثا نوحي وانا بنوح
يا حمارنا في الحوش مشبوح
ثم يشرعن معا في البكاء على جثة الحمار، حتى يشعرن بأنهن قد قامتا-بكل كفاءة واقتدار-بواجباتهما الدنيوية نحوه.
أما بعد،
فقد أكد علماء ألمان أنّ إعطاء الذكور جرعة صغيرة من هرمون أوكسيتوسين يجعلهم في درجة حساسيّة النساء ذاتها من الناحية العاطفية، ويزيد من قدرتهم على التعاطف مع الآخرين.
وأكد البروفيسور هورلمان أنّ مستوى التعاطف والتأثر الوجداني الذي رصده الباحثون لدى الرجال الذين حصلوا على هورمون أوكسيتوسين لا يمكن أنّ يتواجد، إلاّ لدى النساء، وأكدت دراسات سابقة أنّ لهذا الهرمون تأثيراً على النفس البشرية وسلوكها الاجتماعي.
هذا الهرمون ببساطة يعطي النساء قدرة على ذرف الدموع بغزارة، لأسباب، قد تبدو لنا -نحن البعارين – سخيفة، ولا شكّ أنّ ارتفاع منسوب هذا الهرمون في دم أبو عبد الله الصغير هو الذي أبكاه بغزارة وهو يودّع آخر مستعمرة عربية في الأندلس، فقالت له الماما الرؤوم:
إبك مثل النساء مُلكاً مُضاعاً
لم تحافظ عليه مثل الرجال
لاحظوا أنّ ارتفاع منسوب هذا الهرمون -طبيعيّاً أم صناعيّاً أم مرضيّاً -هذه الأيّام سيجعلنا نغرق في أنهار من المياه المالحة، فكلّ ما حولنا يثير الحساسيّة العاطفيّة لنبدأ (ننحز) وننوح ونشطف تحتنا ثم ننحز، وهكذا.
في بعض حضارات الشعوب، فإنّ المرأة المتوفّى زوجها حديثاً، كانت تملأ إناءً خاصّاً بالدموع يُسمّى، بما معناه بالعربية، (مدمعة)، وكلّما كانت مدمعة المرأة كبيرة، كلما كان ذلك مدعاة فخر لها، لأنّها تعني أنها بكت أكثر ممّا بكت النساء الأخريات على مراحيمهن.
لو أردنا في العالم العربي حالياً تطبيق نظرية المدامع، لاحتاج كلّ واحد منّا إلى مدمعة بحجم الكرة الأرضية، ولا أريد أن أذكّركم بالقائمة الطويلة من موجبات البكاء في عالمنا العربيّ، فأنتم تعرفونها بلا شك، وها هي الدمعة المليار تفرّ من أعينكم.