تشير الدراسات والأبحاث الدولية أن قوة الأحزاب أو ضعفها يعتمد بالدرجة الأولى على طريقة تناول تلك الأحزاب لتحديات الدولة, وعلى كيفية استجابة تلك الأحزاب لمستجدات ومتطلبات الدولة بالدرجة الثانية, وهذا يعني بالضراوة أن أحزاب الدولة معنية ببناء شراكات فاعلة مع الحكومات المتعاقبة, وأن نجاح الحكومات هو نجاح للأحزاب المتواجدة على ارض الواقع, ونجاح الأحزاب هو أيضاً نجاح للحكومات المتعاقبة.
وثمة جملة من التساؤلات يمكن طرحها في هذا السياق من أبرزها: هل يمكن لنا في الأردن تشكيل أحزاب سياسية قادرة على مواجهة تحديات الدولة؟ وهل يمكن لنا في الأردن تشكيل أحزاب سياسية قادرة على الاستجابة لمستجدات ومتطلبات الدولة؟ ثم هل يمكن لنا في الأردن تشكيل أحزاب سياسية قادرة بناء شراكات حقيقية وفاعلة مع الحكومات المتعاقبة؟
اعتقد جازماً أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات يعتمد على كيف تتفهم الحكومات المتعاقبة تحديات الدولة وجدولتها من جهة, ثم يعتمد أيضاً على قدرة الأحزاب السياسية على (التفكير الناقد) لتلك التحديات من جهة أخرى.
إن ذاكرتنا الماضية وحتى اللحظة التي نعيش لم تشهد إشارات حقيقية ودلالات واقعية تؤكد أن الحكومات المتعاقبة كان لديها اية تفهّم لتحديات الدولة وجدولتها بصورة جيدة, وأن الأحزاب السياسية الأردنية على ارض الواقع أيضاً لم يكن لديها بأي شكل من الأشكال أي مستوى من مستويات (التفكير الناقد) لتلك التحديات.
مشكلة الحكومات المتعاقبة والأحزاب السياسية بجميع ألوانها وأطيافها أنها تتحرك من خلال ما يطرحه الإعلام وذلك وفقاً (للمزاج العام) وليس (للرأي العام) للمجتمع وهذا بحد ذاته مشكلة, الأمر الذي يعمل على تغيير اتجاه بوصلة الدولة نحو الاتجاه الصحيح والمطلوب, كيف لا والمزاج العام متقلب بين الفينة والاخرى ويتحكم فيه الإشاعات والادعاءات الباطلة في المجتمع, في حين أن الرأي العام ثابت نوعا ما وتتحكم فيه القناعات الراسخة وثقافة ومبادئ المجتمع العميقة.
إن تجارب كثير من الدول التي حققت أعلى مستويات في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي تلك الدول التي بنت أحزابها السياسية (محدودة العدد) على شراكات حقيقية مع الحكومات المتعاقبة لديها, الأمر الذي مكّن تلك الأحزاب من طرح برامج وخطط سياسية واقتصادية واجتماعية من جهة, واستجابة الحكومات المتعاقبة لمثل هذه البرامج دون مناكفات وتصادمات من جهة أخرى.
الدولة الأردنية تسعى جاهدة لأن يكون لديها أحزاباً سياسية (محدودة العدد) تعمل على بناء شراكات حقيقية مع الحكومات المتعاقبة, وتعي الدولة جيداً أن خلاف ذلك سنبقى في حالة من التعب والإرهاق وعدم الاستقرار, وستبقى الأحزاب بجميع الوانها وأطيافها بالمقابل في هذا الاطار هياكل صماء منزوعة الدسم.
الأحزاب الأردنية السابقة المتواجدة على الساحة الأردنية حتى اللحظة لم يكن لديها برامج تنموية تحاكي الواقع المعاش, وبالمقابل الحكومات الأردنية المتعاقبة لم تفتح باب شراكات حقيقية فاعلة مع تلك الأحزاب.. لكن هل لدينا فرصة لعمل كل ذلك؟
أعتقد أن الفرص ما زالت سانحة والإمكانات متاحة أمام الدولة الأردنية لتشكيل حكومات متعاقبة تتفهم تحدياتها وتعمل جدولتها بكل جديّة أولاً بأول, وبالمقابل سانحة أيضاً أمام المجتمع الأردني لتشكيل أحزاب سياسية محدودة العدد قادرة على استخدام (التفكير الناقد) تجاه تلك التحديات وتحويلها إلى قصص نجاح.
دمتم بخير..