يصادف الثاني عشر من أغسطس في كل عام اليوم الدولي للشباب، ولأنه يجيء في عامنا هذا عقب قرار الحكومة الأردنية الصادر قبل أيام بدمج وزارتي الثقافة والشباب في وزارة واحدة؛ وجدتُني أستحضر المثل القائل: "بين حانا ومانا ضاعت لحانا"، واستنطقت دلالاته فوجدته يجسّد حالة من التناقضوالتردّد في اتخاذ المواقف، والبتّ في القرارات، وصولا إلى نتيجة سلبية تنسحب على الحالة الجمعيّة، كما هي على المستوى الفردي.
أقول هذا الكلام بناء على ما استوقفني منذ مدة لغايات بحثية، حولمسيرة الحركة الشبابية في الأردن خلال المئوية الأولى من عمر الدولة الأردنية؛ لأجد أن الحديث عن القطاع الشبابي في الأردن جاء غالبًا ومنذ عهد الإمارة مرتبطًا بالرياضة، ويمكن لمتتبع تلك المسيرة أن يرصد بالسنوات حالات الدمج والفصل التي تمت بين قطاعي الشباب والرياضة على المستوى المؤسسيّ، وقد تخلّلتها عام 1976 حالة دمج بين قطاعي الثقافة والشباب في وزارة واحدة (وزارة الثقافة والشباب)، وقد استمرّ العمل في القطاعين تحت هذا المسمى المشترك حتى عام 1988؛ إذ تم الفصل بينهما حينئذ؛ لبروز تمايز واختلاف بين الأنشطة الثقافية والشبابية، فرضه اتساع مفهوم الثقافة، وشموله ما لا يخصّ فئة الشباب تحديدًا من جهة، وخصوصية فئة الشباب واحتياجاتهم العديدة المتنوعة، بخلاف ما يقع منها تحت مفهوم الثقافة من جهة أخرى؛ الأمر الذي يطرح أسئلة مهمة عن جدوى عمليات الدمج والفصل تلك، وتكرارها بين الفينة والأخرى، دون استناد إلى دراسة حقيقيّة تقوم على فكر إستراتيجي مستنير، يحدّد الرؤية، والرسالة، والغايات، والأهداف، ويحلّل بيئة العمل الذي سيُبنى على ذلك الدمج أو الفصل قبل الشروع في عملية تنفيذه؛ بغية الوقوف على نقاط القوة ونقاط الضعف، وتحديد الفرص والتهديدات، واللافت للنظر دائمًا إهمال فرص التغذية الراجعة المرتبطة بالأشخاص الذين قاموا على تلك التجارب، أو النتاجات المتحققة من خوضها، استنادًا إلى مؤشرات الأداء التي يُفترض أن تكون موجّهة وضابطة.
وبعيدًا عن تفسير التوجّه إلى الدمج الحاصل مؤخرًا بالسعي إلى ترشيق المؤسسات، وتخفيف النفقات؛ فإننا ندرك أن ما يحدث في سبيل محاولة تأسيس مظلة وطنية تحمي مصالح الشباب، وتحفظ حقوقهم، وتوجه الأنظار نحو الاستثمار فيهم؛ يلفت الانتباه، ويؤكد اهتمام الأردن بهذا القطاع الحيوي، وإيمانه بدوره الحقيقيّ في تحقيق الإصلاح المنشود على المستويات كافة؛ وقد تأكد ذلك بإطلاق مبادرات شبابية عديدة، برعاية ملكية سامية، وبدعم مباشر من سمو الأمير الشاب الحسين بن عبدالله ولي العهد حفظه الله، وباستضافة الأردن أنشطة وفعاليات شبابية ورياضية عديدة، على المستويات: المحلية، والإقليمية، والعالمية، ثمّ بتشكيل لجنة فرعية تختص بشؤونهم ضمن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
لكن حماية الشباب، عمود بلدنا وعماده، وتحصيل مكتسبات كونهم القطاع الأكبر والأهم في المجتمع الأردني، وتهيئة السبل أمامهم للقيام بدورهم في عملية الإصلاح الشامل المنشود، كلّها أمور تدعو إلى توسيع دائرة النظر لتطال ما هو أبعد من إجراء عملية دمج محفوفة بالمخاطر، تفوق سلبيّاتها إيجابياتها، ولعلّ الأمر يقتضي الخوض في إجراءات فاعلة تقودها المؤسسات التعليمية كافة بهدف تمكينهم فكرًا ومضمونًا، سيّما وأنهم ركيزة العمل المنوط بوزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي، اللتين خضعتا بالمثل لحالتي الدمج والفصل مرات عديدة!!!، تلك المؤسسات حريّة بالوقوف على احتياجاتهم ومطالبهم، ومناقشة أفكارهم وآرائهم، وتوجيه رؤاهم ومطامحهم الوجهة السليمة التي تجلب النفع لهم ولأوطانهم؛ إذ يقع على عاتق تلك المؤسسات غرس مفاهيم المواطنة الصالحة في نفوس طلبتها، منذ المراحل الدراسية الأولى، وصولا إلى الجامعات، ولا يُكتفى بأن يظلّ ذلك حبرًا على ورق، بل يُفترض أن يكون تطبيق تلك المفاهيم حيًّا وفاعلًا في نفوس الأفراد والمؤسسات من حولهم، وخلال ذلك يتمّ الانتقال بسلاسة إلى ترسيخ تشريعات وقوانين ناظمة للعمليّة التعليميّة التعلّميّة، في إطار تطبيق لأسس الحوكمة الرشيدة، أكاديميًّا وإداريًّا؛ تلبية لتطلعات الشباب، وسعيًا لتأهيلهم علميًّا وعمليًّا، ورعاية إبداعاتهم، ودعم ريادتهم في المجالات المختلفة، والاستثمار في طاقاتهم، وقدراتهم، ومواهبهم، وتوظيف نشاطهم الجسميّ والعقليّ لغايات التأهيل لسوق العمل، والانخراط في الحياة السياسية والحزبية، ممكّنين ومتمكّنين بما أوتوا من علم ومعرفة، وبما تعمّق في نفوسهم من إحساس بالمسؤولية المجتمعية تجاه مجتمعهم ووطنهم، وتظلّ الورقة النقاشية الملكيّة السابعة خارطة طريق للمؤسسات التعليميّة في هذا المجال.
والحديث عن رعاية فئة الشباب يقتضي التنبيه على الدور المهم للمؤسسات الإعلامية، بوسائلها المختلفة في توجيههم، وتعميق ثقتهم بأنفسهم، وإيصال أفكارهم وأصواتهم، والتعبير عن رؤاهم ومطامحهم، ويحضر من قبل ومن بعد دور المؤسسات الدينية الضابطة للمنظومة الفكرية والخُلُقية على المستويين الفرديّ والمجتمعيّ، والدافعة في سياق رسائلها عبر الوسائل الممكنة كلّها إلى كسب مقومات التمكين، والأخذ بأسبابه، والإفادة من تحقّقه؛ الأمر الذي يجعل الشباب ركيزة عمل المؤسسات الحيوية كافة، ومحور اهتمامها. ولا يعني دمج وزارتي الثقافة والشباب بأي حال من الأحوال أن مشكلات الشباب الأساسية ستلقى حلولا سحرية سريعة ناجعة؛ لأنها مشكلات عويصة متشعبة، يقع على عاتق مؤسسات الدولة كلها الإسهام في حلّها، إلى جوار الأسر المنشِئة، صاحبة الدور الأول والأمثل في صنع الإنسان، حيث الرعاية والتوجيه، وترسيخ القيم الإيجابية، وتعزيز الأخلاق الحسنة، وغرس الأفكار الصالحة البنّاءة.
مشكلات الشباب الحقيقية تتمثل في: البطالة، والانهزامية، والتبعية، والتقليد الأعمى، والتمسّك بثقافة العيب بدلالاتها السلبية، واتباع الفكر المتطرف، والانصراف القلبيّ والعمليّ عن العمل السياسي والحزبي؛ والمأمول أن تعي كل الجهات المسؤولة عن هذا القطاع الحيوي المهم أدوارها؛ فتعدّ الخطط المدروسة لرعايتهم، ولتوجيههم، ولتطوير أدائهم، وتفعّل الإجراءات الحاسمة في سبيل تحقيق تلك الخطط؛ ليستطيع الشباب بدورهم شقّ طريقهم في الحياة، وإزالة العراقيل الجاثمة فيها، مندفعين بإحساس عالٍ بالمسؤولية المجتمعية والوطنية تجاه الانخراط في العمل السياسي، وتقديم الرؤى والأفكار والإبداعات، والمشاريع الريادية؛ بما يسهم بصورة عامة في تعزيز قيم المواطنة الصالحة، وحسم قضايا الرأي العام، وتقوية الاقتصاد الوطني، واستدامة البيئة، وتعميق مفاهيم العمل الخيري التطوعي، وغير ذلك من الأمور التي تقع على عاتقهم، وتسهم في رفعة وطنهم والنهوض بأمتهم؛ وإلا فإننا كلما سنقرأ حالة التذبذب بين دمج مؤسسات وفصلها، وضياع الهدف الأسمى المتعلق بالشباب بينهما، سنتذكر لا محالة المثل القائل: "بين حانا ومانا ضاعت لحانا".