استمرار المديونية العامة بالارتفاع شهرا وراء شهر وعاما تلو عام اصبح مثار نقاش مختلف الاردنيين محللين وخبراء ومفسرين ومشككين، دون اي افصاح عن الاسباب التي ساهمت ودفعت لوصولها الى تلك الحدود الصعبة التي اصبحت تستوجب علينا لزاما معرفة اسبابها الحقيقية بعيدا عن التأويل والتحريف، ولعل الاسباب ستكون صادمة للبعض اذ لم تكن للجميع.
المتابع لشأن المالية العامة وتحديدا وليس للحصر الاعوام ما بين 2008 -2011 سيلحظ ان المديونية لدينا كانت تسير وفق معدلات وبفوارق بسيطة من عام لعام، فتراوحت مديونيتنا خلال هذه الاعوام ما بين 8.5–11.5 مليار دينار وبنسبة مقبولة مقارنة مع حجم الناتج المحلي الاجمالي لدينا حينها، بل انها استطاعت ان تخفض المديونية في الاعوام تلك مقارنة مع المديونية في العام 2007 عندما وقعت على اتفاقيات السداد المبكر لاتفاقيات باريس، فماذا تغير بعد ذلك لتصل المديونية الى ما يقارب 36 مليار دينار خلال الاعوام العشرة الماضية وبواقع 24 مليار دينار زيادة عما كانت عليه في الاعوام 2008 -2011 ؟.
حسنا كثيرة هي الاحاديث والروايات التي تروى حول ارتفاع المديونية، فالبعض يربطها بالفساد واخرون يربطونها ببيع المقدرات والبعض الاخر يذهب بالتشكيك واثارة الرأي العام متجاهلين الاسباب الحقيقية وبالارقام والتي دفعت الى تشكل تلك المديونية وبالشكل المتسارع الذي رأيتموه جميعا خلال الفترة الماضية، والتي ساتطرق اليها بشكل تدريجي بدءا من موازنة العام 2008 وصولا الى بداية الارتفاعات الكبيرة التي بدأت منذ العام 2012 ابان فترة الربيع العربي وانقطاع الغاز المصري الذي اضاف وحده للمديونية ما يقارب 6.5 مليار دينار واستدانتها الحكومة لتعويض هذا النقص ولضمان عدم انقطاع الكهرباء على الاردنيين ليقفز بعدها الدين العام الى 16.5 مليار دينار وليصل الى ما نسبته 75.5% بعدما كان 54% في 2008.
وبعدها توالت الاثار المباشرة لهذا الانقطاع من مادة الغاز والاستعانة عنها بمادة الفيول الثقيل وحينها كانت اسعار البترول عالميا قد وصلت الى معدلات فلكية ما جعل من فاتورة تحمل البدائل ترتفع وبشكل جنوني على الموازنة انذاك، ما جعل الموازنة تقفز بشكل متتابع وفي كل عام لتعويض هذا النقص لتصل في العام 2013 الى 19 مليار دينار بعدما كانت الحكومة تقترض 2.5 وبما يعادل 11% من حجم الانتاج المحلي لتعويض هذا النقص وصولا الى 20.5 مليار دينار في العام 2014 لتشكل ما يقارب 80% من حجم الناتج المحلي الاجمالي، وهكذا استمرت الموازنة الى حين الدخول في الحروب والارهاب في المنطقة والتي تسبب في اغلاقات حدودية وتراجع الصادرات الوطنية وتراجع السياحة وتدفق اكثر من مليون لاجئ سوري وما ترتب عليهم من الاعباء تنفق الحكومة عليهم ما يقارب 20% من حجم الموازنة مخصصة للبنى التحتية الامر الذي ساهم برفع الدين العام في العام 2019 الى ما يقارب 24 مليار وبنسبة من الناتج المحلي الاجمالي بلغت 85.5%.
وليست هذه الاسباب فقط، فعند الدخول في موازنة 2020 تجد ان المديونية ارتفعت في هذا العام وحده 10% لتصل الى 26.5 مليار دينار نتيجة دخول جائحة كورونا والاجراءات التي اتخذتها الحكومة والتي استمرت اثارها السلبية بالتأثير على المملكة حتى العام 2021 والتي بدأت فيها المملكة اجراءات التعافي وعودة القطاعات وصولا الى مديونية قاربت 28.7 مليار دينار مشكلة 89% من الناتج المحلي الاجمالي.
اليوم الموازنة تتعافى من الجائحة وتدخل ازمة جديدة تتمثل في اثار الحرب الروسية الاوكرانية وما خلفته من نتائج ابرزها ارتفاع اسعار النفط وغيرها من الاصناف الغذائية الامر الذي دفع الى ارتفاع العجز المقدر بالموازنة خلال الاربعة شهور الاولى من العام بما يقارب 200 مليون دينار لقيام الحكومة بدعم سلع اساسية بالاضافة الى دعم الغاز وغيرها من الاجراءات الاخرى التي تساهم في الحد من الارتفاعات العالمية على السوق المحلي لتصل الى 28.9 مليار دينار باستثناء ما استدانته الحكومة من صندوق الضمان الاجتماعي لتغطية نفقات اخرى لعل ابرزها فاتورة الرواتب المرتفعة وغيرها من المشاريع الرأسمالية الاخرى لتصل الى 36 مليار دينار.
اسباب كثيرة هي التي دفعت مديونيتنا للارتفاع، غير ان ما يؤكد على انها صرفت في الطريق الصحيح هو ما يعيشه اقتصادنا اليوم والذي استطاع عبور كل تلك الازمات التي مرت بنا وعصفت باقتصاديات العالم اجمع، فلا داعي للتشكيك فكل ما صرف واستدان ذهب لخدمة اقتصادكم وخدمتكم وبالأرقام، ومن هنا ما على المشككين دائما بارقام المديونية وعلى اي شيء صرفت سوى ان يعود بذاكرته عشر سنوات للوراء واستعراض كل تلك الاحداث.