الخطاب الملكي أمس بهذا التاريخ المفصلي لمناسبة عيد الإستقلال، يشكل محطة افتخار لأنه يترجم العلاقة المتبادلة بين القائد والشعب، جعل للمناسبة قلادة وطنية متجددة بقالب الإنجاز تشحذ الهمم، تقوي العزائم، تفرض الحكمة، تقرب القلوب بألفة وانسجام، فاستعراض على ما أنجز عبر سنوات الاستقلال، يبرهن باستنباط المستقبل القادم في جميع مراحل تطور الدولة الأردنية، برؤية تصاغ ملفاتها بتجسيد ومشاركة للعدالة بين فئات الشعب، التي تؤمن بدور العائلة الهاشمية كبوصلة للاستقرار السياسي، الإقتصادي، الإجتماعي وضامنة للمسافات بربط مستقبل الدولة الأردنية لأردن قوي مستقر، ترويه دماء التضحيات، خصوصا بعصر التحديات الجاثمة على أمنيات الشعوب في جميع بقاع الأرض، حيث قصة النجاح والكفاح لبناء الأردن منذ البدايات وإمكانات متواضعة، ليكون الأنموذج والمرجع للشعوب والدول التي تبحث عن رؤية للمستقبل.
استعرض الخطاب الملكي مراحل التكوين للأردن القوي المستقر، التي علينا أن نعترف بوعورتها وصعوبة تضاريس إحداثياتها، قصة إنجازات عبر غدير الزمن، وحَّدت الأرض والشعب، بصون الكرامة والحرية والحقوق، بل وواحة الأمان لمن يبحث عن دفء الحاضر من سكان الجوار، فكان المحطة الأولى والمفضلة لإستقبال موجات الهجرات واللاجئين، عندما احترقت أمانيهم بأتون الحروب والصراعات الداخلية التي مزقت الأرض والإنسان، ولكن الأردن الهاشمي عبر جهود قيادته وأبنائه كعادتهم، يواكب التطور ويبحث عن التميز، تاريخ مجيد لن يعبث بمكوناته، تاريخ صنع الفرق نتيجة الإيمان والتعاون، يحميه جدار قوي من قواته المسلحة وأجهزته الأمنية، المحترفة والمدربة، التي تصنف في المقدمة والواجهة، لتوفير الأمان المطلوب، وحماية المنجزات وتعزيزها.
استعرض الخطاب الملكي تاريخ النشأة واحتوى على مفصل مهم من مفاصل براكين التحديات والأزمات بشتى مسمياتها أو مرافقها، التي عصفت أو أن غبارها تلبد أجواء الحاضر، فكان الأردن القادر على امتصاص تلك الصدمات وارتداداتها لمحاصرة تداعياتها على أمنه القومي والعربي، معتمدا على رصيده من السمعة والمكانة الدولية المتميزة والممثلة بقيادته الحكيمة والحريصة على سلام الشعوب ورخائهم، عبر جهود بناء منظومة واحدة متكاملة كأساس للاستقرار والإزدهار، حيث خارطة الطريق التي نسير عليها في البناء والتطوير؛ جهود متواصلة للتقدم بالرغم من حديث الصالونات السياسية التي تؤمن بقوى الشد العكسي التي تتغذى على الشائعات، ليكون الأردن اليوم بحقيقته محتفلا باستقلاله، بعد توثيقه وإقراره عبر مؤسساته الدستورية، سلسلة من التحديثات المهة لصنع الفرق في الحياة الحزبية والسياسية والدستورية، لتجعل المستقبل حاضنا لفرص الشباب القيادية وواقعا يسلخ ثوب الخوف في ظل تشريعات تصون حقوقهم، وتعبّد الطريق أمامهم لصنع التغيير.
الأردن الجديد والحديث هو ثمرة التعاون بين سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية، تجسيدا لرؤية ملكية، بأحقية وجودنا كدولة وشعب في مقدمة مستحقة تليق، عمادها الشباب، فأردن المستقبل سيكون ملكاً للآجيال الشابة القادرة على رسم معالم الطريق وترجمة الطموح بالعلم والمعرفة وتوظيف الإمكانات، ليكون الإنفتاح على المستقبل وحركة التطوير ضمن خطة محكمة، تعتمد بتكامل بين أركان مثلثها؛ اقتصاد قوي يرفع معدلات النمو لخلق فرص عمل التي تكسر ثنائية الفقر والبطالة لأنها العلاج الأمثل لهذه المتلازمة، يرافقها ترجمة معالم البيئة الجاذبة للإستثمار ضمن قوانين الحماية التي تفرش تراب الطمأنينة، بالتوازي بفصل الإرتقاء بسقف التشريعات التي تصون الحقوق، وتعبد الطريق لصنع التغيير.
تكامل القطاع العام والخاص، والارتقاء بمستوى العلاقة غير التنافسية، ضرورة أبجدية وفطرية لنجاح ورشة النهضة التي نتطلع اليها ونبني آمالا كبيرة عليها؛ هناك ثغرات وترهل، موروثات انتهت صلاحيتها، بحاجة سريعة للتحديث والتعديل، فدور القطاع العام هو الأساس الذي يكتمل بمنجزات القطاع الخاص، ليكون لنا الإستقلال المستحق، فهيكل الخطاب الملكي، رؤية وخارطة طريق للمستقبل.