ليس هناك ما هو مقدم على استقرار البلاد، وليس هناك مجال للتساهل مع من يحاول زعزعة الأمن بأي شكل أو أسلوب.
نقول ذلك، لأن مصالح البلاد مقدمة على كل شيء، واستقرار الحكم يقف في مقدمة مصلحة البلد، التي يجب أن يظل الجميع فيها يحتكم لنصوص الدستور ومنطوق القانون، لأن غير ذلك يعني مزيداً من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية.
كان الملك قد نشر في العام 2016 ورقة نقاشية للحديث عن سيادة القانون، وهذا ما التزم به في التعامل مع قضية الأمير حمزة بموجب قانون الأسرة المالكة، منذ أن خرجت إلى العلن العام الماضي وحتى اليوم.
فالرسالة المطولة التي وجهها الملك الخميس الماضي للأردنيين كشفت عن زوايا خاصة لم يكن الرأي العام قد تعرف عليها من قبل، اتسمت بالجرأة بما تضمنته من معلومات وما انتهت إليه من قرار.
فهذه البلاد، لا تحتمل الانصياع للرغبات الشخصية والطموحات الفردية، ولا تحتمل أي مغامرة بما تحقق عبر مئة عام من البناء، فما تحقق منجز يملكه الأردنيون جميعاً وهم الذين بنوه بدمائهم وعرق جباههم.
هذه البلاد، لم تغلق بابها أمام أي أردني، ولم تبن جدار صدّ في وجه كل من تقدم للعمل أو قدم مقترحا لتطوير وتحديث البلاد، أو اجتهد «صادقا» لإخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية وتحدياتها السياسية.
يعلم الجميع أيضاً، أنه في هذه البلاد، لم يُسفك دم أي معارض سياسي واحد، بل على العكس ظلت على الدوام قادرة على احتضان أبنائها حتى من تملّكه الشطط في يوم من الأيام، فأصبح من أولئك رجال دولة ووزراء ومسؤولين كبار، طالما كانت عودتهم إلى جادة الصواب «صادقة» وتحترم القانون والدستور.
فالبلاد، تخطو اليوم أولى خطواتها نحو المئوية الثانية، وهي التي عانت وما زالت خلال المئة عام الماضية من قدر موقعها الجغرافي في إقليم ملتهب تتنازعه التحديات والأزمات.
قدر هذه البلاد، أنها تعاني من واقع سياسي محلي معقد ومركب ومن أزمات اقتصادية متلاحقة، يرتبط بعضها بأزمات الإقليم وتقلبات السياسة العالمية، وبعضها الآخر بالظرف الموضوعي المحلي حيث ضعف الموارد والثروات الأرضية.
قدر الأردن أنها تعاني من جهة الغرب من عدو جاثم على صدر الأمة، ما زال يقوض كل فرصة للسلام، بل ويتعدي صباح مساء على المقدسات الإسلامية في القدس التي هي وصاية هاشمية، وينسف كل مبادرات الحل ليُبقي المنطقة مشتعلة لتحقيق مشاريعه وصفقاته الخاصة والتي قد لا تبتعد، من وجهة نظره، عن أن يكون الحل على حساب الأردن وطنا وشعبا.
وعلى حدوده الشمالية والشرقية، ثمة إرهاب متربص لتصدير جرائمه إلى الداخل الأردني، وآخر يتجهّز كل يوم لتهريب سمومه المخدرة للنيل من شباب البلد وأمنهم وصحتهم.
أمام كل ذلك، لا رفاهية لدى الأردنيين اليوم للانشغال طويلا في قضية ترتبط بمصالح فردية ضيقة من شأنها أن تُعرّض بلادهم للهزات والأزمات السياسية والاقتصادية، ومن شأنها أن تقوّض ما استقروا عليه وما أنجزوه عبر مئة عام من البناء.
ما يعني أن النتيجة التي انتهت إليها رسالة الملك للأردنيين، كانت ضرورة ملحة، بل إن رسالة الملك ونهج المكاشف يؤشر إلى كثير من الدروس المستفادة التي يجب على كل من يجلس على كرسي المسؤولية استيعابها والعمل وفقها لتظل هذه البلاد تسير على درب البناء والتحديث والإصلاح المستمر.
فمصالح البلاد لا يعلو عليها شيء، وسيادة القانون يجب أن تظل سائدة، كما أن مكاشفة الأردنيين ومصارحتهم بواقعهم يجب أن تصبح نهجاً قائماً عند كل من يتولى المسؤولية.