نخلة باسقة... اسمها المسْفر
هي كلمات متواضعة موجزة أزجيها إلى هذه النخلة التي طالت واستطالت على أقرانها وأترابها لتتجاوز القيعان ونجومها التي ما فتئت النمو على سطح التربة. هذه النخلة التي تُؤتي أكلها في كلّ موقف يمسّ العربية والعروبة، فتطرح ناضجَ الثمر رطبًا جنيّا. نخلة ارتوتْ من غيثٍ مبارك، في حين كانت النباتات المتسلقة الأخرى تلهث وراء مطر السّوء. هذه النخلة ذات الجذع المنتصب الذي لا ينحني حتى وإن انحنت سعفاته تواضعا بعد أن يتكاثر تمره ورطبه.
هذا هو المفكر العربي الدكتور محمد المسفر؛ المفكر الذي قلّ أمثاله في زمن كثر فيه هواة السياسة الذين يدرجون حبوا على بساطها فيتعثرون هنا ويسقطون هناك وهناك. زمن كثُر فيه المواء والفحيح، وقلّ فيه صوت التعقّل وبُعدُ النظر؛ ومن لا يصدق هذا الكلام فعليه بالفضائيات والإعلام المرئي والمسموع ليرى العجب العجاب من ضحالة الطرح، وقصر النظر، وشرح المشروح وتفسير المفسّر و( اللتّ والعجن) ومن ثم يكون الاختتام بالسباب والشتائم. هؤلاء من نرى (نُمرهم) في البرامج الحوارية على أنهم محللون أو مفكرون.
هذا هو الدكتور المسفر الذي حمل همّ الانحطاط العربي وتفككه وانقياده إلى معسكرات شرقية أو غربية. معسكرات احتلت واستحلت النفط وآباره، في حين حُرمت من بقايا قطراته شعوبٌ عربية وإسلامية في الصومال والسودان اللذين تسربل أحدهما بالجوع والاقتتال، وتدثّر الآخر بالاقتتال والجوع أيضا. كما حُرمت من قطراته أيضا دولٌ وشعوب تنحت من الصّخر تقدما ونهضة وتطورا على الرّغم من شحّ الموارد الطبيعية التي ينعم بها الأخوة العرب في الدول النفطية. وهذه الشعوب المكافحة لم ولن تكن يوما عالة على أحد؛ فمنهم العلماء والمتعلمون والفنيون والمهنيون....هؤلاء الذين بنوا بلادهم لتكون في مصاف الدول المتطورة في المجالات كافة؛ طبّيّة وتعليمية وغيرهما، هؤلاء الذين لا يستطيع أحد أيّا كان أن ينكر كفاءتهم وإخلاصهم في عملهم أنّى كانوا. وأقصد بذلك الأردن الذي قال عنه الدكتور المسفر أنّه مخزون؛ استراتيجي وعلمي و... وما رأي الدكتور في دور الأردن إلا مؤشّر مضيء عن بُعدِ نظره ومصداقيته في الطرح دون مواربة. هذا الطرح الذي لا يمكن وصفه إلا بذلك؛ لأنّه طرح موضوعي واقعي صادق بعيد عن النفاق والتملّق؛ فليس الدكتور المسفر من يطمع بعوائد بئر نفط أردني، ولا بعائدات بحيرة بترول في الأردن.
الدكتور المسفر، مفكر عربيّ يمتلك مدى بصريًّا يتجاوز الأيام والسنين؛ فهو الحريص ألا يتحول الخليج العربي في يوم ما خليجا هنديا أو بنغاليا ولا باكستانيا أو فلبينيا في ظل تزايد أعداد هؤلاء وآثارهم القاتلة على النسيج المجتمعي والأخلاقي لدى شعوب الخليج. وهو المفكر ثاقب البصيرة في رؤيته التي تستشفّ بوضوح في أنّ ترتيب البيت العربي بأدوات عربية أنجى وأسلم من ترتيبه وإعادة صيانته بدبابة أمريكية تسحق تحت جنازيرها موروث الأجداد وأحلام الأبناء. وأنّ الشراكة في المصير واجب في ظلّ أطماع العم سام وربيبه خنازير البشرية من بني صهيون. إن خوف الدكتور المسفر على وطنه العربي مشروع عندما يراه لقمة سائغة تتقاذفها أفوه الشركات العالمية وتجار الحروب وسماسرة السلاح والتسليح في شرق العالم وغربه.
والمرعب في الوضع الرّاهن هو أن يضيع صوت العقل والتعقل عندما يزاحمه صوت الضجيج والغثاء من هنا وهناك، وكذلك عندما تزحف الدويبات تحمل معاولها لاجتثاث النخيل ذي القامة المنتصبة. إلا أن المطمئن كما سُطِّرَ في سِفر التاريخ أن هذه الدّويبات ستبقى زاحفة أبد الدهر، وأن النّخل بقامته السّامية سيصبو دائما نحو السحاب والغيوم المليئة بالغيث والبركة.
y.yyyy35@yahoo.com