نحن لا نتحدث عن هيئة عادية عابرة في حياة شعوب العالم بل عن هيئة مثلت ذات يوم انعطافة بالغة الأهمية في تاريخ العلاقات الدولية وأملاً حقيقياً في السلام والازدهار لسكان الكرة الارضيّة بعد حروب طاحنة بينهم على مدى قرون وقرون بسبب نشوء الطبقات وهيمنة الذين يملكون على الذين لا يملكون (وسائل الانتاج)، بدءاً بعصر العبودية مروراً بعصر الإقطاع وصولاً الى عصر الرأسمالية المتوج حالياً باسم نظام السوق الذي يعاني العالم من آفاته ومظالمه ومع ذلك يروّج دهاقنته بانه باقٍ الى نهاية التاريخ!
نتحدث اليوم عن هيئة الامم المتحدة التي قامت عام ١٩٤٥بعد تجربة سيئة لعصبة الامم انتهت بعدوان نازي مفزع على أوروبا والاتحاد السوڤييتي، لكن السلام المرتجى بقي مذّاك هشَّاً تُصدّع الحرب الباردة أركانه، كما توالت عليه الحروب الفعلية التي كانت وراءها او شنتها الإمبراطورية الاميركية الجديدة (وحلفاؤها) ومن ابرز مخلفاتها المأساوية تشريد شعب فلسطين من وطنه بنكبة ١٩٤٨وإحلال الدولة العنصرية اسرائيل محله، وقتل الملايين من الفيتناميين وتدمير بلادهم بوراثة حرب استعمارية مجرمة كانت قد انهكت فرنسا الدولة الاستعمارية الثانية آنذاك بعد بريطانيا، وتابعت اميركا حروبها العدوانية دون ان يوقفها احد طوال القرن الماضي كما وثق ذلك مؤرخوها المعاصرون ثم استهلت القرن الحالي بحربين ظالمتين على افغانستان والعراق ما زلنا نشهد نتائجهما في الأحوال البائسة لشعبيهما، اما المؤامرات والانقلابات العسكرية التي نفذتها اميركا على مدى الحقبة الفائتة في اندونيسيا وتشيلي وعديد من دول اخرى فقد أغرقتها بالدماء والفوضى وخرّبت بالخصخصة انظمتها الصحية والتعليمية وزادت الفقراء فقراً لحساب اقتصاد السوق واحتكاراته الكبرى.
ترى أين كانت هيئة الامم المتحدة طوال هذه السنين الماضية؟ لماذا لم تتحرك لتوقف تلك المظالم والحروب، اليس ذلك واجبها الأساسي؟ أم أن هناك من شلّها بالتدخل في شؤونها والسيطرة على قراراتها حد الحيلولة مؤخراً دون وساطتها الرصينة المحايدة في المواجهة المتفجرة الآن في أوكرانيا، على الاقل بنصح حلف شمال الأطلسي بعدم التمدد الاستفزازي التهديدي الى حدود روسيا؟! او بالسؤال لماذا هذا الحلف العسكري منطقياً بعد أن انهار الاتحاد السوفييتي وصُفّي حلف وارسو وحلت الرأسمالية محل الشيوعية في روسيا وزال الصدام فيها بين الفلسفتين الاقتصاديتين؟!.. لم يبق أمامنا موضع اتهام اخر سوى الهيمنة الامبراطورية الاميركية الممارَسة على معظم دول العالم كما في الداخل على الشرائح الواسعة المهمشة من «شعوب» الولايات المتحدة كما يدعوها المؤرخ الاميركي الكبير هاورد زِن، خدمةً في كلا الحالين لما سماه الرئيس آيزنهاور بالمجمع العسكري الصناعي في البنتاغون وحذر من خطره في تأجيج النزاعات الدولية المسلحة لصالح الشركات الكبرى وعلى رأسها مصانع الأسلحة الاميركية..
وبعد.. لن نستسلم لرغبة الولايات المتحدة في إضعاف هيئة الامم المتحدة، فإعادتها قوية معافاة ضرورة قصوى لخير البشرية بأسرها ولن يتم ذلك الا بتضامن دولي واسع للتخلص من هيمنة اميركا وانهاء حالة القطب الأوحد!