أنهى مجلس النواب مناقشة وإقرار مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، والتي تمثلت بتعديلات دستورية وقانونين جديدين؛ الانتخاب والأحزاب السياسية، حيث يُسجّل للمجلس النيابي في هذا السياق أنه قد أعطى أولوية لهذه القوانين وقدّمها على باقي الأعمال التشريعية الأخرى، وذلك لكي يتيح المجال أمام المخاطبين بها للاطلاع عليها وفهم مضامينها. كما سيكون أمام الأحزاب السياسية الوقت الكافي لتصويب أوضاعها بما يتوافق مع أحكام القانون الجديد، والتحضير للانتخابات النيابية القادمة.
واليوم، يتعين على مجلس النواب أن ينتقل إلى مرحلة تشريعية جديدة لا تقل أهمية عن سابقتها، تتمثل في إقرار عدد من مشاريع القوانين المعدلة بما يتوافق مع التعديلات الدستورية لعام 2022. فالأحكام المستحدثة التي جرى إدخالها نصوص الدستور يجب أن يتم تضمينها القوانين الوضعية التي تصدر لتنفيذها.
ويأتي في مقدمة القوانين التي تحتاج إلى إجراء تعديل سريع على نصوصها، قانون المحكمة الدستورية، حيث طالت التعديلات الدستورية أحكاما مهمة تتعلق بتشكيل المحكمة وإجراءات عملها. فقد جرى تغيير شروط العضوية في المحكمة الدستورية بالنسبة للمحامي المزاول، الذي أصبح يشترط أن يكون قد أمضى مدة لا تقل عن عشرين سنة في أعمال المحاماة. كما تم إلغاء القيد المتعلق بعدد الأعضاء الذين يمكن أن يتم تعيينهم في المحكمة الدستورية، والذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان.
وفيما يخص إجراءات التقاضي أمام المحكمة الدستورية، فقد تضمنت التعديلات الدستورية لعام 2022 حكما في غاية من الأهمية يتمثل في تخفيف القيود الإجرائية المتعلقة بإيصال الدفع بعدم دستورية أي قانون أو نظام إلى المحكمة الدستورية. فقد جرى تعديل المادة (60/2) من الدستور وإلغاء دور محكمة التمييز في إحالة الدفوع المثارة بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية، بحيث أصبح قاضي الموضوع على تماس مباشر بالمحكمة الدستورية يقوم بإحالة الدفوع المتعلقة بعدم الدستورية مباشرة إليها.
كما يجب على مجلس النواب أن يعطي أولوية تشريعية لمشروع القانون المعدل لقانون الهيئة المستقلة للانتخاب، بحيث يتم إضافة اختصاص جديد للهيئة يتمثل في النظر بطلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها، وذلك بما ينسجم مع التعديلات الدستورية الأخيرة.
وتتمثل أهمية إقرار هذين القانونين في عمر مجلس النواب الحالي، أن هذه التشريعات أصبحت ضمن قائمة القوانين ذات الطبيعة الدستورية، التي ستكون بحاجة إلى موافقة ثلثي أصوات الأعضاء في كل مجلس لإقرارها. وقد نصت المادة (84/3) المعدلة من الدستور على أن يبدأ نفاذ هذا الحكم اعتبارا من مجلس الأمة التالي للمجلس الذي يُقر إضافتها. وعليه، فإن إقرار هذين القانونين من قبل المجلس الحالي سيجنب مجلس النواب القادم الأغلبية المشددة لتعديلها.
كما يجب على مجلس النواب الإسراع في إقرار نظامه الداخلي المعدل بما يتلاءم مع التعديلات الدستورية. فقد سبق للمجلس أن أحال مشروع النظام المعدل إلى لجنته القانونية، والتي يفترض بها أن تسرع في إقراره، وأن تحيله إلى المجلس للموافقة عليه، تمهيدا لدخوله حيز النفاذ بعد تصديقه من قبل جلالة الملك.
ومن القوانين الأخرى التي يجب على مجلس النواب إيلاؤها الأهمية القصوى مشروعا تعديل قانون التنفيذ فيما يخص حالات حبس المدين وقانون العقوبات لصالح التوسع في تطبيق العقوبات البديلة. فمن شأن إقرار هذين القانونين التسريع في وقف العمل بقانون الدفاع، على اعتبار أنهما سيحلان مشاكل اقتصادية واجتماعية تتعلق بزيادة عدد المسجونين في مراكز الإصلاح والتأهيل. فالحكومة قد أعلنت أنها لن توقف العمل بقانون الدفاع قبل أن تجد حلولا للنتائج التي قد ترتب على وقف العمل به.
إن الوقت ليس في صالح مجلس النواب. فدورته العادية الأولى ستنتهي خلال أكثر من شهر، ليدخل بعدها المجلس في عطلة برلمانية ستبدأ بعدها دورته الاستثنائية، التي يجب أن تراعي الأولويات التشريعية السابقة عند إعداد جدول أعمالها.