اخبار البلد - قدم رئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح الثلاثاء استقالة الحكومة، تفاديا لتصويت في مجلس الأمة (البرلمان) كان مقررا له الأربعاء (اليوم) على طلب "عدم التعاون" مع الحكومة، في خطوة قالت أوساط سياسية كويتية إنها تضع الكويت أمام لحظة الحقيقة؛ فإما البحث عن صيغة قانونية للتخلص من إزعاج مجلس الأمة، وإما الاستمرار في هذه اللعبة التي تضع أمن البلاد ومستقبلها في طريق المجهول.
وأشارت الأوساط السياسية الكويتية إلى أن التعاطي التقليدي مع الأزمة بقبول استقالة رئيس الحكومة وإعادة تكليفه لن يحل المشكلة، وكذلك الأمر إذا تمت الدعوة إلى انتخابات مبكرة، فلا شيء سيتغير، حيث من المرجح أن تعود نفس التركيبة النيابية مع اختلافات بسيطة لفائدة هذه الكتلة أو تلك، وبالتالي بقاء الكويت في حلقة مفرغة، في وقت تدق فيه المنظمات الدولية -ولاسيما وكالات التصنيف الائتماني- ناقوس الخطر محذّرة من استمرار الأزمة السياسية وتأثيراتها على مالية الدولة.
بدر موسى السيف: الإصلاحات الجذرية هي التي ستخرج الكويت من أزماتها
وقالت هذه الأوساط إن الحل يكمن في إجراء استفتاء شعبي يتم من خلال تغيير وضع المجلس وصلاحياته وإحداث توازن بين السلطات بالشكل الذي يمنع رهن مصير البلاد لمزاجية عدد محدود من الأشخاص سواء أكانوا نوابا في البرلمان أو عناصر من الأسرة الحاكمة يحركون لعبة التعطيل من وراء الستار لتحقيق مصالح خاصة، معتبرة أن فكرة الاستفتاء إذا تم الاشتغال عليها بشكل جيد ستجد مشاركة كبيرة من قبل الكويتيين.
لكنها لفتت إلى أن الاستفتاء إن تم المضي فيه سيضع الأسرة الحاكمة أمام اختبار صعب، فالشعب الذي ستستنجد به للتخلص من البرلمان سيجد الفرصة مواتية للضغط من أجل تصويب وضع الأسرة وصراعاتها ومراقبتها، وهو أمر لا تريده، وقد عمل مؤثرون داخل الأسرة خلال العقود الماضية على أن تستمر لعبة البرلمان من أجل أن يشد الأنظار إليه ويصرفها عن تفاصيل إدارة البلاد وخبايا قضايا الفساد والمحسوبية وتبديد المال العام.
وذكرت وكالة الأنباء الكويتية أن "ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح استقبل بقصر بيان ظهر اليوم (الثلاثاء) الشيخ صباح خالد الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء حيث رفع إليه كتاب استقالة الحكومة".
وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلن أغلب أعضاء مجلس الأمة أنهم سيصوتون ضد رئيس الوزراء، وهو العدد الكافي لإقرار حالة "عدم التعاون" بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما يعني دستوريا رفع الأمر إلى أمير البلاد ليقرر بنفسه إعفاء رئيس الوزراء وتعيين وزارة جديدة أو حل مجلس الأمة.
ودار الاستجواب الذي قدمه ثلاثة نواب معارضين حول اتهامات لرئيس الحكومة أهمها أن ممارساته "غير دستورية"، بالإضافة إلى عدم التعاون مع المؤسسة التشريعية وتعطيل جلسات البرلمان وعدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لمنع الفساد.
وتساءل نشطاء كويتيون كيف لدولة لا تستطيع فيها الحكومة أن تبقى لبضعة أشهر أن تستقر ماليا وتحل الأزمات الاقتصادية، وتحل مشاكل الناس؟ مشددين على أن الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح وولي العهد الشيخ مشعل يحتاجان إلى أن يأخذا الأمر على محمل الجد، وأن يضغطا لتغليب مصلحة الكويت على مصالح الأفراد أيا كانوا، بمن في ذلك من هم داخل الأسرة الحاكمة.
وقال الباحث الكويتي بدر موسى السيف في تغريدة له على تويتر إن "استقالة الحكومة الكويتية ليست مفاجئة، بل هي نتيجة متوقعة لاعتماد النهج ذاته في إدارة ملفات الدولة وإعادة تدوير نفس الطبقة السياسية”، وإن "الإصلاحات التي تعالج القضايا الجذرية هي التي ستخرج الكويت من أزماتها الدورية".
وأعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أن جلسة البرلمان التي كانت مقررة الأربعاء (اليوم) قد أُلغيت بناء على اعتذار الحكومة عن الحضور وتقديم استقالتها.
وقال في تصريح بالبرلمان "الاستقالة تحت نظر القيادة السياسية وجميعنا واثقون من أنها ستتخذ القرار المناسب الذي فيه مصلحة البلاد والعباد، وبناء عليه لن تكون هناك جلسة يوم غد (اليوم الأربعاء)”.
ويتمتع البرلمان الكويتي بنفوذ أكبر مما يحظى به أي مجلس مماثل في دول الخليج العربية الأخرى، ويشمل ذلك سلطة إقرار القوانين ومنع صدورها، واستجواب رئيس الوزراء والوزراء، والاقتراع على حجب الثقة عن كبار مسؤولي الحكومة.
والحكومة التي استقالت الثلاثاء، والتي تشكلت في ديسمبر الماضي، هي الحكومة الثالثة خلال عام 2021 بعد أن استقالت الحكومتان السابقتان أثناء المواجهة الطويلة مع البرلمان.
وفي يناير الماضي خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف الكويت، مشيرة إلى "القيود السياسية المستمرة” التي تقوض قدرة الدولة على معالجة المشاكل الهيكلية.
وقالت فيتش إن اعتماد الكويت الكبير على إنتاج النفط ونظام توفير دعم واسع للمواطنين وضخامة القطاع العام كلها قضايا هيكلية تحتاج إلى معالجة.
ناصر العبدلي: الأزمة في النظام السياسي أكثر منها في الحكومة
ومنذ بدء جائحة كوفيد – 19 اتخذت الحكومة تدابير مختلفة لتخفيف حدة الأزمة المالية وزيادة التمويل بشكل مؤقت، لكن الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية وصلت إلى طريق مسدود. ولم تتمكن الحكومة حتى الآن من تمرير قانون الدين العام الذي يسمح لها بالاقتراض من الأسواق الدولية وذلك منذ انتهاء القانون السابق في 2017، رغم أن ارتفاع أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة خفف قدرا من الضغوط.
وتوقع المحلل السياسي الكويتي ناصر العبدلي ألا تنهي هذه الخطوة المأزق السياسي في البلاد لأن الأزمة "هي في النظام السياسي أكثر منها في الحكومة”، مشيرا إلى أن الحكومة ليس لها غطاء سياسي من قوى سياسية.
ودعا أمير البلاد في العام الماضي إلى حوار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لإنهاء حالة الاحتقان السياسي وإنهاء المأزق.
وأسفر الحوار عن العفو عن معارضين سياسيين واستقالة الحكومة في نوفمبر لإنهاء قرار برلماني سابق يقضي بتحصين رئيس الحكومة ضد الاستجوابات.
وقال العبدلي إن الحكومة لم تسع لاستثمار ما تم في الحوار الوطني والبناء عليه لتحقيق تعاون مع البرلمان، الأمر الذي أثار ضدها غالبية أعضاء مجلس الأمة.
وتطالب قوى المعارضة ليس فقط برحيل رئيس الوزراء وإنما أيضا بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة تسمح بتغيير رئيس مجلس الأمة الذي تُلقي عليه باللائمة في الكثير من الأزمات، وهو ما ينفيه الغانم الذي يؤكد أنه يحظى بثقة شعبية وثقة غالبية نواب البرلمان.
وقال المحلل السياسي محمد الدوسري إن استقالة الحكومة ستُحدث انفراجة مؤقتة حتى يتم حسم الأمر داخل السلطة باتجاه استمرار التحالف الحالي مع شخصيات قريبة من غرفة التجارة أو تغيير هذا التوجه.