أخبار البلد-
ربما تكون أهم نتيجة ستنعكس علينا نحن العرب بعامة والفلسطينيون بخاصة من الحرب في أوكرانيا هي الحضور الفاضح «للمعايير المزدوجة» التي تمارس على مسرح السياسة الدولية وتحديدا من قبل الولايات المتحدة الأميركية وتابعها أوروبا بشأن معايير الحقوق الوطنية والحقوق المدنية وحقوق الإنسان بصورة عامة والتي تستوجب منا استثمارها سياسيا واعلاميا، وما أقصده هو الانحراف الواضح في «مسطرة المعايير» المستخدمة بشأن الحرب في أوكرانيا وغيرها من مناطق الصراع وتحديدا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المحتدم منذ أكثر من سبعين عاما، ففي فلسطين مقاومة قوات الاحتلال هي «إرهاب» ويُعاقب عليها الفلسطيني المناضل ليس بحبسه وسجنه لسنوات ومؤبدات بأرقام فلكية بالإضافة لتعرضه لشتى أنواع العذاب والتعذيب الجسدي والنفسي فيما من يقاوم روسيا في أوكرانيا هو «بطل» و"مناضل» ويتحدث عنه الرئيس بايدن وغيره من رؤساء «أوروبا التابعة» بإعجاب وكأنه «هرقل"!
احتلت «المقاومة الأوكرانية» مساحات واسعة من خطب المشار إليهم وتُوجت تلك «المقاومة» بصفات من الإعجاب والانبهار لم يسبق لهؤلاء أن تحدثوا عنها تجاه أي شعب من الشعوب رغم علامات الاستفهام الثقيلة والكثيرة التي ما زالت تطارد صحتها، أما النموذج الثاني فهو في معايير العمى «الأميركي وعمى التابعة له أوروبا العجوز» فيما يخص ما يسمى بجرائم الحرب، وهنا تكمن الفضيحة الكبرى التي تؤكد أن الوقاحة والتكبر والاستكبار هي صفات ملازمة للقوة المستبدة وأقصد هنا «واشنطن» بشكل خاص، فالبيت الأبيض يتحدث يوميا عما يسميها جرائم حرب في أوكرانيا ويتجاهل جرائم الحرب للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وقتل الأطفال وهدم بيوت المناضلين والتنكيل بأهلهم جسديا ومعنويا، أما النموذج الثالث وهو الآخر فضيحة من العيار الثقيل والمسمى بالمتطوعين الأجانب الذين دعاهم «للنضال في أوكرانيا» كل من الرئيس الأوكراني زلينسكي بداية ثم الأميركي بايدن ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، وهنا أطلق عليهم «المتطوعون»، وليس «المرتزقة»، رغم أنهم في الواقع مجاميع من المرتزقة وشذاذ الآفاق وأصحاب السوابقأاو من خريجي السجون والذين كُلفت وكالة الاستخبارات الاميركية بدفع رواتبهم حيث يتلقى المرتزق الواحد منهم حسب المعلومات المتداولة في الإعلام قرابة الخمسة آلاف دولار شهريا للمقاتل العادي، اما القيادات الوسطى والعليا فيتلقون رواتب تتجاوز العشرة آلاف دولار شهريا، وهؤلاء من أهم صفاتهم أنهم يمارسون القتال كمهنة فنية أي بمعنى آخر «قتلة محترفون»، بلا أخلاق أو قيم، لا عسكرية ولا إنسانية، وهم عمليا «مجرمو حرب»، هؤلاء المرتزقة وفرت لهم واشنطن وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية شرعية الذهاب للقتال على أراضي دولة اخرى وهي حالة أشبه ما تكون بحالة «داعش» والتي تعزز المعلومات التي تتسرب وعلى مدى سنوات أن المخابرات المركزية الأميركية هي من صنعتها و"هندستها»، وأن المخابرات الأميركية هي التي كانت قد أنتجت قبل داعش مشروع ما سمي «بالأفغان العرب» في مواجهة الاتحاد السوفييتي في افغانستان حسب الاعترافات الجريئة التي أدلى بها مسؤولون خليجيون وعرب..
ما يهمني هنا هو تسليط الضوء على نقيصة أخلاقية وقيمية لدى العواصم الكبرى التي تصنع القرارات وتروجها على أنها «أخلاقية وعادلة»، فخلال الأسبوع الماضي مارس الفلسطينيون حقهم في الدفاع عن أنفسهم في بئر السبع وتل أبيب أو بيت لحم أو القدس، وكان رد فعل الاحتلال كما هو دائما «نازيا» وبامتياز، قتل واعتقالات وهدم بيوت وتنكيل، وأطلقت يد وحدة «يمام» الإرهابية والعنصرية التي تعد عصابة قتلة متخصصة في قتل الفلسطينيين بدم بارد وقامت بما قامت به في جنين وعرابة، وهو ما يجعلني استحضر بالضرورة كتيبة آزوف الأوكرانية «النازية» التي تستبيح قتل المسلمين والغجر وكل من هم ليسوا من عرق «سلافي أوكراني».
لم تعد واشنطن قادرة على هيكلة الوعي في العالم أو برمجته كيفما تشاء، العالم بات يدرك أكثر من أي وقت مضى أنها «أم المصائب»!