الصور المرفقة للخبر الرسمي أظهرت نوعاً من الاسترخاء بدا واضحاً من شكل الجلسة التي تنبئ عن طبيعة خاصة تجمع القادة، لكن اجتماعاً بهذا الوزن لا يمكن أن ينتهي من دون نقاش سياسي واقتصادي قد يتسع مداه، فلا بد أنه بحث قضايا عدة تشغل بال المنطقة والزعماء الذين حضروا الاجتماع.
يأتي اجتماع العقبة الجمعة الماضية قبل أيام من زيارة الملك إلى رام الله، وفي سياق حراك دبلوماسي يتبناه جلالة الملك من أجل الحفاظ على صدارة القضية الفلسطينية التي ستظل "أم القضايا”، التي لا يمكن تجاوزها عند أي منعرج أو أزمة دولية أخرى.
كما أنه يؤكد على مساعي الأردن وجلالة الملك في دعم صمود الأهل بفلسطين لإبقاء قضيتهم حاضرة في كل زمان ومكان، ويذكر بجهود جلالته في الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية من منطلق الوصاية الهاشمية عليها.
هذه الثوابت حتماً سيجدد التأكيد عليها جلالة الملك في لقائه الذي سيعقده مع الرئيس محمود عباس يوم الاثنين، حيث يتوقع أن يجتمع معه في رام الله، وما هذا الاجتماع إلا جزء من الحراك الملكي الذي بدأ أخيراً ولن يتوقف.
لم يكن الاجتماع الذي عقد في العقبة هو الأول بين جلالة الملك بالرئيس السيسي ورئيس الوزراء العراقي، فقد حصلت اجتماعات عدة تحت يافطة آلية التعاون الثلاثي بين الأردن، ومصر، والعراق، لكن الجديد هو انضمام الإمارات إلى هذه اللقاءات ممثلة بالشيخ محمد بن زايد، ما يعطيها دفعة قوية لدعم التكامل العربي.
وتشكل هذه اللقاءات ترجمة حقيقية لما ينادي به جلالة الملك والقادة العرب بضرورة التمسك بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والسعي لتحقيق المصالح المشتركة وبما يحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
على الصعيد الاقتصادي، كان جلالة الملك قد بدأ حراكه النشط في لقاءات ثلاثية جمعته بقادة دول مصر والعراق منذ آذار عام 2019، قبيل انتشار جائحة كورونا، والتي عادت بمشاريع إقليمية اقتصادية تكاملية تقدم فيها الدول خبراتها وطاقاتها بهدف الوصول إلى ما ينفع شعوب المنطقة ككل.
الشراكة الأردنية المصرية العراقية مثلت نموذجاً يحتذى به في إطار بناء العلاقات الشبكية القادرة على توحيد الجهود ضمن شراكة تشجع على التكاملية وليست بديلا عن أي إطار عربي بل هي معزز وداعم له.
كما أنها تسير قدما بما تحدث عنه جلالة الملك مرارا لشكل جديد من العلاقة تتوافق مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وتصيغ خارطة طريق لكيفية تحقيق التكامل والاستفادة من الفرص المتاحة.
لقد ساهمت هذه الشراكة بتوسيع التعاون الثلاثي في قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة والنقل والأمن الغذائي والبنى التحتية والاستثمار والإنشاءات والإسكان، وسيتعزز جني ثماره كلما انفتحت الدول على بعضها وتعاظم شعور "أهمية التشارك”.
وبناء عليه، فاجتماع العقبة يخلق البيئة المناسبة للبحث عن الفرص الاستثمارية التكاملية الإقليمية، ويمكن تلمس ذلك من رؤية القمم السابقة الثلاثية التي بدأت تأتي أكلها على أرض الواقع في بعض المشاريع، كما يمكن النظر إلى مشروع الربط السككي، كنموذج لهذه العلاقة المستقبلية التي تهدف في تكامليتها إلى خدمة الشعوب.
ويلاحظ أن الاجتماعات الدورية أكدت ضرورة السير بإجراءات بدء تنفيذ مشروع المدينة الاقتصادية العراقية – الأردنية المشتركة، وتعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث، وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن، واستكمال خط الغاز العربي، وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة – العقبة)، وإعادة تفعيل الحركة النقل والشحن عبر ميناء نويبع/ العقبة حتى معبر الكرامة/ طريبيل.
إن هذه اللقاءات والاجتماعات والجهود الأردنية والتي تلقى صدى وتفاعلاً عربياً، يمكن البناء عليها، وسط تأكيدات أن باب الانضمام إلى هذا الجهد العربي مفتوح لأي دولة عربية ترغب في الانخراط به، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية على مختلف الصعد بما يخدم الدول وشعوبها.