انتهت من فتح الهدايا… فجلست سارحةً مهمومة، خاصّة لمّا رأت محتوى المغلّف الأبيض الذي وصلها من ابنها، ذاك الذي حوى مبلغاً ماليّاً سخيّاً في الوقت الذي تدركُ هي تماماً حجم ضائقته الماليّة، لتتساءل بِحيْرة موجعة: « كيف تدبّرَ أمورَه؟ «
وداخل علبةٍ أنيقة كان ثمّةَ شالٌ خمريٌّ دافئ منسوجٌ باليد جاءها من زوجته، فأحبّت لونَه وتوقيتَ وصوله، وهي التي تعاني من ألم كتفيها معظم الوقت، لكن عادت لتسأل وهي مأخوذةٌ بمشاعر الامتنان: « من أين وجدتْ الوقتَ لإنجازه، وهي الموظّفة العاملة في الصّباح، والمنشغلة بتدريس الأبناء، وشؤون البيت في المساء؟ «
الهديّةُ الثّانية كانت من ابنها الثّاني وزوجته، وكانت عبارة عن مجموعةٍ من الكريمات الملطّفة للبشرة، مع عطرٍ ناعم، وعلبة شامبو فاخرة، وحقيبة يدٍ سوداء كئيبة… فابتسمت بحنان وقد أدركت أنَّ الحقيبة من اختيار ابنها… والباقي من زوجته الشّابّة التي تؤمنُ أنَّ الشّيخوخةَ هي العمر الذّهبي للمرأة، وأنَّ عليها أن تزيدَ من منسوب الاهتمام بنفسها، وليس العكس… وتذكّرت أنَّ الصّبيّة كثيراً ما ردّدت هذه المقولات أمامها بحماسة شديدة!
ثمَّ تذكّرت ابنتَها الوحيدة، تلك التي اعتادت على إحضار مستلزمات الاحتفال من حلوى وزهور وتفاصيلَ جميلةٍ أخرى دأبت على التفنّنُ في تجهيزها كلَّ مرّة، فتكون هدّيتَها هي في إضفاء البهجة على العيدِ والمكان والحضور…
آوت إلى فراشها أخيراً وبدأت تمتمُ ببعض الأدعية لأبنائها كالعادة قبل أن تغفو، لكنّها لم تستطع ردَّ سحابةِ الهمّ التي جثمت على صدرِها تدريجيّاً… فبدأت تفكّرُ في الأزمة الماليّة التي يعاني منها الابن الكبير… وكيف يمكن أن تساعدَه من دخلها البسيط!
وكانت قد لاحظت أنَّ ابنَها الآخر لم يتبادل وزوجتَه أيّ كلمة خلال السّهرة، بل ضبطته ينظرُ نحوها ببرود بين الحين والآخر، فشعرت بالقلق والاضطراب لتسألَ نفسَها إن كانا قد تشاجرا قبل وصولهما إليها، لتدعو الله أن يكونا قد تصالحا فيما بعد…
أمّا ابنتُها، فأحسّت بها محبطةً منطفئة رغم ادّعائها غيرَ ذلك طوال الوقت، وأدركت السّببَ لمّا تذكّرت الأزمةَ التي تمرُّ بها في العمل، وباحت لها عنها قبل أيّام، وذعرَها من أن تفقدَ الوظيفة في أيّ لحظة بسبب ظروفٍ قاهرة تتعلّقُ بالمؤسّسة التي تعمل فيها.
وحارت في أمرها، وفي موضوع فرص العمل النّادرة هذه الأيّام، فارتفع منسوبُ القلقِ لديها، وغمرتها الكآبة!
داهمها شعورٌ بالاختناق، فقامت من السّرير، ومضت تُعيد ترتيبَ بعض الأشياء في البيت ساهمةً حزينة، حين خطرَ على بالها ما سمعته من إحدى الخبيرات في المهارات الحياتية مؤخّراً، تلك التي قالت إنَّ على المرأة، وبعد إنهاء واجباتها تجاه أبنائها من تربيةٍ وتنشئةٍ وغيره، إلى أن يصبحوا كباراً مستقليّن عنها، الانتباه لنفسها وصحّتها وسعادتها هي، إذ يكفيها ما قدّمت وعانت وتعبت وضحّت… وحان الوقت للرّاحةِ والاستمتاع بما تبقّى من عمرها!
فهمست بأسى: « آه، ليتَ الأمورَ بهذه البساطة يا عزيزتي، ليتهم يخترعون حبّةً سحريّةً خارقة تُبرّدُ قلبَ الأمِّ وتفصلُه وتعزلُه عن التّفكير والقلق الدّائمَين على أبنائها، مهما كبروا واستقلّوا، أو ابتعدوا…»
وألقت بجسدها المُنهك على الكنبة لتضيفَ وهي تقاومُ دموعَها: « لو نجحوا في ذلك الاختراع؛ لكنتُ تناولت حبّةً واحدة في مثل هذا العيد فقط، عسى أن أشعرَ بالفرح المفترض، ولو مرّةً واحدة كلَّ عام!»
وداخل علبةٍ أنيقة كان ثمّةَ شالٌ خمريٌّ دافئ منسوجٌ باليد جاءها من زوجته، فأحبّت لونَه وتوقيتَ وصوله، وهي التي تعاني من ألم كتفيها معظم الوقت، لكن عادت لتسأل وهي مأخوذةٌ بمشاعر الامتنان: « من أين وجدتْ الوقتَ لإنجازه، وهي الموظّفة العاملة في الصّباح، والمنشغلة بتدريس الأبناء، وشؤون البيت في المساء؟ «
الهديّةُ الثّانية كانت من ابنها الثّاني وزوجته، وكانت عبارة عن مجموعةٍ من الكريمات الملطّفة للبشرة، مع عطرٍ ناعم، وعلبة شامبو فاخرة، وحقيبة يدٍ سوداء كئيبة… فابتسمت بحنان وقد أدركت أنَّ الحقيبة من اختيار ابنها… والباقي من زوجته الشّابّة التي تؤمنُ أنَّ الشّيخوخةَ هي العمر الذّهبي للمرأة، وأنَّ عليها أن تزيدَ من منسوب الاهتمام بنفسها، وليس العكس… وتذكّرت أنَّ الصّبيّة كثيراً ما ردّدت هذه المقولات أمامها بحماسة شديدة!
ثمَّ تذكّرت ابنتَها الوحيدة، تلك التي اعتادت على إحضار مستلزمات الاحتفال من حلوى وزهور وتفاصيلَ جميلةٍ أخرى دأبت على التفنّنُ في تجهيزها كلَّ مرّة، فتكون هدّيتَها هي في إضفاء البهجة على العيدِ والمكان والحضور…
آوت إلى فراشها أخيراً وبدأت تمتمُ ببعض الأدعية لأبنائها كالعادة قبل أن تغفو، لكنّها لم تستطع ردَّ سحابةِ الهمّ التي جثمت على صدرِها تدريجيّاً… فبدأت تفكّرُ في الأزمة الماليّة التي يعاني منها الابن الكبير… وكيف يمكن أن تساعدَه من دخلها البسيط!
وكانت قد لاحظت أنَّ ابنَها الآخر لم يتبادل وزوجتَه أيّ كلمة خلال السّهرة، بل ضبطته ينظرُ نحوها ببرود بين الحين والآخر، فشعرت بالقلق والاضطراب لتسألَ نفسَها إن كانا قد تشاجرا قبل وصولهما إليها، لتدعو الله أن يكونا قد تصالحا فيما بعد…
أمّا ابنتُها، فأحسّت بها محبطةً منطفئة رغم ادّعائها غيرَ ذلك طوال الوقت، وأدركت السّببَ لمّا تذكّرت الأزمةَ التي تمرُّ بها في العمل، وباحت لها عنها قبل أيّام، وذعرَها من أن تفقدَ الوظيفة في أيّ لحظة بسبب ظروفٍ قاهرة تتعلّقُ بالمؤسّسة التي تعمل فيها.
وحارت في أمرها، وفي موضوع فرص العمل النّادرة هذه الأيّام، فارتفع منسوبُ القلقِ لديها، وغمرتها الكآبة!
داهمها شعورٌ بالاختناق، فقامت من السّرير، ومضت تُعيد ترتيبَ بعض الأشياء في البيت ساهمةً حزينة، حين خطرَ على بالها ما سمعته من إحدى الخبيرات في المهارات الحياتية مؤخّراً، تلك التي قالت إنَّ على المرأة، وبعد إنهاء واجباتها تجاه أبنائها من تربيةٍ وتنشئةٍ وغيره، إلى أن يصبحوا كباراً مستقليّن عنها، الانتباه لنفسها وصحّتها وسعادتها هي، إذ يكفيها ما قدّمت وعانت وتعبت وضحّت… وحان الوقت للرّاحةِ والاستمتاع بما تبقّى من عمرها!
فهمست بأسى: « آه، ليتَ الأمورَ بهذه البساطة يا عزيزتي، ليتهم يخترعون حبّةً سحريّةً خارقة تُبرّدُ قلبَ الأمِّ وتفصلُه وتعزلُه عن التّفكير والقلق الدّائمَين على أبنائها، مهما كبروا واستقلّوا، أو ابتعدوا…»
وألقت بجسدها المُنهك على الكنبة لتضيفَ وهي تقاومُ دموعَها: « لو نجحوا في ذلك الاختراع؛ لكنتُ تناولت حبّةً واحدة في مثل هذا العيد فقط، عسى أن أشعرَ بالفرح المفترض، ولو مرّةً واحدة كلَّ عام!»