يروي المفكر الكوري الجنوبي ها – جون تشانج قصة سيارات تويوتا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وردة فعل الحكومة اليابانية على فشل أول محاولة تصدير لسيارات الشركة إلى الولايات المتحدة والفشل الذريع الذي منيت به سنة 1958، فسمعة المنتجات اليابانية كانت ضعيفة في ذلك الوقت، وبعد الخروج المهين من السوق الأميركي كان على الحكومة اليابانية أن تتصرف لإنقاذ صناعته الناشئة، وبالفعل، قامت بطرد شركات السيارات الأجنبية ووقف الاستيراد وجعلت المواطنين اليابانيين يتعاملون مع السيارات المنتجة محلياً لعقدين من الزمن، وأدى ذلك إلى التحسين التدريجي لصناعتها لتعاود من جديد غزو السوق الأميركي والسوق العالمي وصولاً إلى تقديم سيارات لكزس التي اعتبرها الكاتب توماس فريدمان الثمرة الناضجة للعولمة في كتابه "اللكزس وشجرة الزيتون”، وهو الكتاب الذي يناقشه ويعارض أفكاره تشانج في كتابه المهم "السامريون الأشرار” بما قدمه من نقد لفكرتي العولمة والتنمية الاقتصادية.
لنحمل هذه الفكرة إلى واقعنا الأردني، فقبل أكثر من عشرين عاماً بدأت حياتي المهنية في أحد المصارف، وكان علي أن أرتدي ملابساً رسميةً، وكنت أذهب إلى منافذ بيع شركة الألبسة الأردنية CJC لأحصل على ملابس بسعر معقول وجودة مناسبة، وكانت هذه المنتجات وقتها هي الإجابة الأفضل لسؤال الظهور بصورة جيدة، وكانت شركة "الزي” تقدم نوعية ممتازة تضاهي الأفضل عالمياً ولكنها بقيت خارج إمكانياتي المتواضعة آنذاك، وما كنت أخمنه أن الأردن يستطيع أن يحقق مكانةً متقدمة في صناعة الألبسة على مستوى الإقليم من خلال مقارنة المنتجات الأردنية بالمصرية أو اللبنانية أو السورية المنافسة، ولأن الأردن لم يتمكن من الاستقرار على وجهة نظر اقتصادية متكاملة وثابتة تستطيع تحقيق التراكم، تحولت هذه الصناعة إلى أثر بعد حين.
توسعت صناعة الملابس في آسيا بتكلفة رخيصة، وتحققت الجودة مع الوقت والمنافسة، وتزايدت ثروات العلامات التجارية التي تصنع في الدول الفقيرة وتستفيد من قوانين الاستثمار المحابية، وأدى ذلك إلى غزو العالم بملابس رخيصة وبجودة ليست سيئة، ودخلت الأردن في منظومة الأسواق المفتوحة، فكان على الصناعة الأردنية أن تتحمل الضربات المتتابعة وأن تخرج من السوق باستثناء ما تنتجه داخل الاتفاقيات المنعقدة مع الجانب الأميركي، إلا أن ذلك فتح الباب أيضاً لمستثمرين من شرق آسيا والهند لنقل عمليات التصنيع إلى الأردن مع آلاف من العمالة القادمة من تلك البلدان، ولم يلتفت أحد إلى أن صناعة واعدة وذات سمعة يجب أن تحصل على الحماية المناسبة من خلال اجراءات حكومية تتعلق بالجمارك والضرائب.
بعد أزمة وباء الكورونا والصراع على الموارد والعوائق أمام التجارة الحرة وحساسيتها لتكاليف الشحن والنقل، أخذت العديد من الدول تراجع نماذجها الاقتصادية وتسعى للعودة أدراجها تجاه اقتصاد يترابط مع مفاهيم الأمن القومي ويسعى لتوفير حد أدنى من الاكتفاء يمكنه مواجهة المعادلات العالمية الجديدة التي ربما تمتد إلى عقود قادمة من الزمن، وربما تتصف بتقلبات لا تخضع للطرق القديمة في الحساب والتقدير، والسؤال يتعلق بمدى قدرة الأردن على إعادة ترتيب القدر الكافي من الاستقلال والاكتفاء على الجانب الاقتصادي بدلاً من التمسك بأوهام العولمة التي لم تكن مثمرة بالنسبة للأردن وغيره من الدول التي خرجت خاسرةً من هذه المرحلة.
ربما يدرك الكثيرون في مواقع القرار ضرورة التحرك تجاه منظومة اقتصادية جديدة، ولكن من الضروري تفهم أن مرحلة العولمة وشروطها أنتجت فئات تستفيد من الوضع الراهن ستسعى لتوظيف جميع ما تستطيع من أدوات من أجل عرقلة خروج منظومة جديدة، أدوات سياسية واجتماعية وإعلامية أيضاً، وهنا يتولد صراع الإرادات الذي يجب أن يخضع للمصلحة الوطنية قبل أي اعتبار آخ
لنحمل هذه الفكرة إلى واقعنا الأردني، فقبل أكثر من عشرين عاماً بدأت حياتي المهنية في أحد المصارف، وكان علي أن أرتدي ملابساً رسميةً، وكنت أذهب إلى منافذ بيع شركة الألبسة الأردنية CJC لأحصل على ملابس بسعر معقول وجودة مناسبة، وكانت هذه المنتجات وقتها هي الإجابة الأفضل لسؤال الظهور بصورة جيدة، وكانت شركة "الزي” تقدم نوعية ممتازة تضاهي الأفضل عالمياً ولكنها بقيت خارج إمكانياتي المتواضعة آنذاك، وما كنت أخمنه أن الأردن يستطيع أن يحقق مكانةً متقدمة في صناعة الألبسة على مستوى الإقليم من خلال مقارنة المنتجات الأردنية بالمصرية أو اللبنانية أو السورية المنافسة، ولأن الأردن لم يتمكن من الاستقرار على وجهة نظر اقتصادية متكاملة وثابتة تستطيع تحقيق التراكم، تحولت هذه الصناعة إلى أثر بعد حين.
توسعت صناعة الملابس في آسيا بتكلفة رخيصة، وتحققت الجودة مع الوقت والمنافسة، وتزايدت ثروات العلامات التجارية التي تصنع في الدول الفقيرة وتستفيد من قوانين الاستثمار المحابية، وأدى ذلك إلى غزو العالم بملابس رخيصة وبجودة ليست سيئة، ودخلت الأردن في منظومة الأسواق المفتوحة، فكان على الصناعة الأردنية أن تتحمل الضربات المتتابعة وأن تخرج من السوق باستثناء ما تنتجه داخل الاتفاقيات المنعقدة مع الجانب الأميركي، إلا أن ذلك فتح الباب أيضاً لمستثمرين من شرق آسيا والهند لنقل عمليات التصنيع إلى الأردن مع آلاف من العمالة القادمة من تلك البلدان، ولم يلتفت أحد إلى أن صناعة واعدة وذات سمعة يجب أن تحصل على الحماية المناسبة من خلال اجراءات حكومية تتعلق بالجمارك والضرائب.
بعد أزمة وباء الكورونا والصراع على الموارد والعوائق أمام التجارة الحرة وحساسيتها لتكاليف الشحن والنقل، أخذت العديد من الدول تراجع نماذجها الاقتصادية وتسعى للعودة أدراجها تجاه اقتصاد يترابط مع مفاهيم الأمن القومي ويسعى لتوفير حد أدنى من الاكتفاء يمكنه مواجهة المعادلات العالمية الجديدة التي ربما تمتد إلى عقود قادمة من الزمن، وربما تتصف بتقلبات لا تخضع للطرق القديمة في الحساب والتقدير، والسؤال يتعلق بمدى قدرة الأردن على إعادة ترتيب القدر الكافي من الاستقلال والاكتفاء على الجانب الاقتصادي بدلاً من التمسك بأوهام العولمة التي لم تكن مثمرة بالنسبة للأردن وغيره من الدول التي خرجت خاسرةً من هذه المرحلة.
ربما يدرك الكثيرون في مواقع القرار ضرورة التحرك تجاه منظومة اقتصادية جديدة، ولكن من الضروري تفهم أن مرحلة العولمة وشروطها أنتجت فئات تستفيد من الوضع الراهن ستسعى لتوظيف جميع ما تستطيع من أدوات من أجل عرقلة خروج منظومة جديدة، أدوات سياسية واجتماعية وإعلامية أيضاً، وهنا يتولد صراع الإرادات الذي يجب أن يخضع للمصلحة الوطنية قبل أي اعتبار آخ