تزدحم الأسئلة التي لا تتوافر أجوبة عليها, في شأن المعارك الدائرة حول سجن الصناعة ومحيطه في مدينة الحسكة السورية, بين إرهابيّي داعش وما تُسمّى «قوات سوريا الديموقراطية/قسد», المُمولة والمُسلحة والمرعيّة سياسياً ودبلوماسياً وخصوصاً عسكرياً من الولايات المتحدة. إذ تزعم الأخيرة انها تقود تحالفاً مهمته محاربة تنظيم داعش ومنعه من إعادة تنظيم صفوفه, لهذا تُواصل تبرير احتلالها شمال شرق سوريا وتبذل جهوداً حثيثة لإحياء مشروع تقسيم سوريا, عبر تشجيع النزعة الانفصالية لدى كرد سوريا الذين أقاموا «إدارة ذاتية", يُشارك ال?ميركيون في احتلالها ونهب ثرواتها والتنكيل بالعرب السوريين, الذين يرفضون «حُكم قسد» ومشروعها الإنفصالي.
إن تمكّن إرهابيي «داعش» من اقتحام سجن الصناعة الذي يضمّ 5 آلاف من عناصرهم وبينهم قياديون ومُنظّرون, ومواصلتهم القتال لليوم الخامس على التوالي, بعد توسيع منطقة الاشتباك لتشمل أحد أحياء تلك المدينة واسمه «حيّ غويران»، يعني أنّ «داعش» عمل بدأب ومثابرة على وضع خطّة اقتحام طالما هدّد باللجوء إليها, مُخترقاً «دفاعات» قسد المزعومة، وبعيداً عن أعين التحالف واستخباراته العسكرية/والميدانية، ناهيك عن مُسيراته ومروحياته التي تجوب المنطقة الشاسعة بين قاعدة التنف المُحتلّة أميركياً, والبادية السورية المُتصلة بالحدود الع?اقية وصولاً إلى دير الزور والحسكة.. زِد على ذلك استخدام واشنطن طائراتها الحربية F.16 ومروحياتها ومُسيّراتها في قصف المواقع التي يتحصّن فيها إرهابيو داعش، بما في ذلك التدمير الكامل لمبنى المعهد التقني في المدينة، رغم تأكّدهم أن أحداً من داعش لم يتحصّن في ذلك الموقع، إضافة إلى استخدام قوات قسد المدفعية الثقيلة لضرب سجن الصناعة وحي غويران.
ما يؤشر أيضاً ضمن أمور أخرى إلى سقوط «الدِعاية المُبالغ فيها عن بسالة وقوة وتمكّن قوات قسد», والتي كانت حتّى في «عِزّ» المُواجهة الرّاهنة في الحسكة مع إرهابيي داعش موضع «إشادة» أميركية بشجاعتها وبسالة مُقاتليها/المقصود قسَد. الأمر الذي يثير الشكوك في شأن الكيفية التي استطاع فيها إرهابيو داعش اختراق حواجز «قسد», والوصول بسياراتهم المُفخّخة إلى أبواب سجن الصناعة وتفجيرها والتحصن فيها, ومُساعدة أزيد من «800» سجين من عناصرهم على الفرار, دون أن تتمكّن «قسد» من اعتقالهم أو تصفيتهم.
هذا يثير المخاوف أيضاً من التصريحات والدعوات التي بدأت تطلّ برأسها من واشنطن ومن قيادات قسد الميدانية, بـ«ضرورة تزويد المزيد من الأسلحة والمعدات والأجهزة المتقدمة لقوات قسد, كي تواجه محاولات داعش استعادة قوته»، في الوقت الذي تُواصل فيه «قسد» نهب النفط السوري وإهراءات القمح بالتواطؤ/والشراكة مع المحتلّ الأميركي، ناهيك عن الاستثمار الأميركي الواضح في «الغزوة» الداعشية الجديدة, والتي ستنتهي بالتأكيد في وقتٍ قريب, نظراً لافتقار عناصر داعش الأسلحة الثقيلة والإمدادات والحاضنة الشعبية, على النحو الذي كانوا يتمتعو? به قبل هزيمتهم الكبرى في آذار العام 2019 بسقوط آخر معاقلهم في بلدة الباغوز السورية, والتي التي كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مؤخراً وقائع المجزرة المُروعة التي ارتكبتها القوات الأميركية ضدّ المدنيين في تلك البلدة, عبر قصف طائراتها تجمّعات المدنيين الفارّين بقنابل ضخمة, سقط على إثرها مئات الضحايا من النساء والأطفال والمُسنّين.
هنا أيضاً يستوقِف بيان الخارجية الأميركية/قبل يومين أنظار المتابعين لما جرى ويجري الآن في الحسكة, على نحو يدفع لاستعادة الوقائع الميدانية التي كرّسها الوجود الأميركي غير الشرعي على الأراضي السورية, باختراع حكاية محاربة إرهاب تنظيم داعش. سواء في ما خصّ احتلال قاعدة التنف, أم خصوصاً الاحتلال المباشر لشمال شرق سوريا والانخراط في مشروع إقامة حكم ذاتي لكرد سوريا, بمشاركة العسكريين البريطانيين والفرنسيين في هذا المشروع. إذ جاء في بيان الخارجية الأميركية: أنّ «هذا الهجوم (هجوم داعش على سجن الصناعة في الحسكة) يُسل? الضوء على أهمية (تمويل) مبادرات التحالف, لتحسين الاحتجاز الآمن والإنساني لمقاتلي داعش، بما في ذلك تعزيز أمن السجون».
ما يأتي بمزيد الأدلّة على أنّ الأميركيين يُواصلون الاستثمار في داعش. ليس فقط في الاتكاء على وجود التنظيم الإرهابي (الضعيف والمُسيطر عليه في واقع الحال)، بل وأيضاً في عدم استخدام واشنطن نفوذها السياسي والعسكري والدبلوماسي لـ«الضغط على الدول التي يَحمِل إرهابيو داعش جنسيتها, كي تستعيدهم وتُحاكمهم أمام قضائها وتصدر أحكامها بحقهم بعيداً عن سوريا». لكن خطوة كهذه لن تخدِم مشروع تقسيم سوريا الذي لم تتخلّ عنه واشنطن ولندن وباريس وبعض الدول الإقليمية.. حتّى الآن.