من حيث المبدأ، فإن الحراك الحزبي الذي نشهده في هذه الأيام مطلوب تمهيدا للمرحلة المقبلة ولتجويد الحياة السياسية في البلاد، بل إن الحاجة ماسة لاستثمار الوقت الذي بات يضغط أكثر مع قرب شروع مجلس النواب بمناقشة قانوني الأحزاب والانتخاب.
غير أن ثمة ملاحظات يجب التوقف عندها حتى لا نستجرّ تجارب الماضي ونكون أمام عناوين حزبية من دون برامج واقعية وديناميكية أو حزبيين حقيقيين يحملون الفكر والبرنامج وينظّرون وفقه في اشتباك حقيقي وفعّال مع الواقع السياسي.
الحزب يجب أن يعبّر عن الناس، فليس هناك قيمة لحزب لا يعبر عن الهمّ العام، ولا إلى حزب لا امتداد جماهيرياً له تؤمن بما يطرح من برنامج وأفكار وبما يقدم من حلول لأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ضاغطة.
وبما أنه كذلك، فليس من المعقول أن نسمع إعلانا عن تشكل حزب أو مشاورات لتأسيس حزب من دون أن يكون هناك برامج معلنة، ولو بالخطوط العريضة، ليلتقي عندها من يؤمنون بها ويسعون إلى تطبيقها وإقناع الناس بها.
خلال اليومين الماضيين كان ثمة من قال إن الأحزاب يجب أن تتشكل انطلاقا من قاعدة عقائدية فكرية، وهذا قول لا يمكن تعميمه بالمُطلق، والدليل أن لدينا اليوم أحزابا ذات مرجعية فكرية وعقائدية واحدة لكنها ليست حزبا واحدا؛ بل أحزاب متعددة، ببرامج مختلفة، أو هكذا ينبغي.
إذا كانت الأيدولوجيا هي العمود الفقري الذي يرتكز عليه الحزب، فإن البرنامج هو الدماء التي تسير في عروقه، ومن الممكن أيضا أن يكون البرنامج هو العمود الفقري والدماء في آن كما هو الحال مع «الأحزاب الوسطية» التي تستقطب من يؤمنون بالبرنامج بغض النظر عن الخلفية الفكرية والأيدولوجية للحزبي.
في الانتقادات التي كانت توجه لطريقة تشكيل الحكومات وتوزير الوزراء، كان يقال إنها تخضع لمنطق المحاصصة والعلاقات الخاصة، وهذا ما نخشاه في طريقة تشكيل الأحزاب اليوم، وبالتالي فإن غياب البرنامج الذي يجمع كافة الأعضاء يقودنا إلى ذات الطريقة في تشكيل الحكومات، وفي ظني هذا سيكون مقتل الأحزاب التي تفكر أو تتشكل بهذه الطريقة، عندها لا يعدو الغالبية من أعضائها أن يكونوا سوى قوات محمولة تستهدف تحقيق الشرط القانوني لترخيص الحزب لا أكثر.
عندها، ما الذي سنكون قد أضفناه للمشهد السياسي الحزبي، إذا كان سيقودنا إلى ذات النتيجة التي عليها كثير من الأحزاب القائمة اليوم، والتي يعاني بعضها من غياب الحزبيين الحقيقيين الذين يؤمنون بمنطلقات الحزب الأيدولوجية وببرنامجه وطروحاته وشعاراته.
وأيضا، وبالرغم مما قلناه في مطلع المقال بأن الوقت بات يضيق أكثر وأكثر، فإنه كان من المأمول أن تبادر أحزاب موجودة على الساحة الآن إلى المسارعة في عمليات تأهيل ذاتها والاندماج تحديدا أن الغالبية منها متشابه ولا يكاد المراقب يلمس فرقا بين حزب وآخر إلا من حيث الاسم والشخوص.
ذلك أن السؤال الدائم، ما الحاجة إلى 50 حزبا في دولة مثل الأردن لا يزيد عدد سكانها جميعا على 10 ملايين نسمة؟
الحراك الحزبي اليوم مهم ومطلوب، لكن ما يجب الانتباه إليه أنه لا يجب محاكاة تجارب الماضي باعتبار أنها لا تستقيم والطموح بإحداث فرق يسهم في تحديث وتطوير المشهد السياسي.