لم تترك الأمثال الشعبية الأردنية شيئاً إلا وتحدثت عنه، ويأتي الوصف غاية في الدقة كونه محصلة سنوات طوال من التجارب لقائله، ليأتينا قرار مجلس الأعيان غريباً وغير متوقع في التصدي للفساد، بل قد يكون هو الفساد بعينه، لنجد أن المسؤولين يضعون الوطن ومصالحة في نهاية أولوياتهم، فالنواب أقر مادة تمنع النائب والعين من إبرام عقود من الدول وشركاتها خلال فترة عمله في مجلس الأمة، ليكون رد الأعيان مخالفاً وطالباً التعديل من أجل المحافظة على مستقبل علاقتهم بالحكومة واستمرار تعاملهم التجاري .
لقد كان الأجدى بالأعيان الذين يجدون ان هذه النقطة تتعارض مع مصالحهم أن يمتلكوا الشجاعة و يستقيلوا، ويغادروا للإشراف على شركاتهم ومؤسساتهم ويتركوا الحكومة تبحث عن طريق يبس يبعدها عن الفساد الذي يجاهر بوجوده الجميع، لكن العديد من الأعيان أرادوا عنب الشام وبلح اليمن، برغبتهم بالعمل بالتجارة والاستمرار باتخاذ القرار، وهذا هو قمة الفساد كونه تزاوج بين رأس المال والحكومة، وهو يعني وجود مسؤول برأسين أحدهما يبحث عن الربح والآخر مهتم بمصلحة الوطن والشعب، وهذا شكل غير مقبول كونه حالة مرضية توجب الابعاد حتى لا يتفشى وباء المصالح، فالعقل سيفاضل بين المصلحتين وستنتصر المصالح الشخصية.
لقد كنا نتوقع ونأمل أن يكون مجلس الأعيان الغربال الذي يحمي حقوق الشعب، والعين والعقل اللذين يدعمان حقوق المواطنين ويتصدون لأي تجاوز للنواب والحكومة، لكنهم فضلوا مصالحهم لينطبق عليهم المثل القائل ” جبنا الأصلع تيونسنا كشف عن راسه وخوفنا”، لذا فان الخوف سيكون بدرجة كبيرة من مجلس وازن بين مصلحتين واختار الافضل لأعضائه، لنجد ان قرار النواب يفوق قرار الأعيان في حكمته ومكاشفته وشفافيته، لذا على الاعيان إعادة تقييم مواقفهم وموازنة الامور صوب مصلحة الوطن ومن يجد انه متضرر فعليه التفرغ لعمله الخاص وترك السياسة.
آخر الكلام..
من يسمح لنفسه أن يملك قراري التعامل مع الحكومة وتحديد من يُنفذ قرارات الحكومة فهو لا يبحث عن أمان وضمان أمن المجتمع، بل هو مجرد تاجر والتجار لا يجب أن يقرروا مصالح الشعوب.