بسام البدارين: لا تبتعد الزيارة النادرة التي قام بها أمس العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للضفة الغربية كثيرا عن الإعتبارات التي تحرك الأردن في سياق السعي لهندسة العلاقة الأردنية الفلسطينية مجددا وفقا للمستجدات الإقليمية والداخلية في البلدين.
ومن الواضح أن الإعتبارات الداخلية عنصر ثقل في هذه الزيارة التي لا يمكن القول أنها مخصصة حصريا لدعم عملية السلام أو خيارات سلطة الرئيس محمود عباس كما جرت العادة فقبل الزيارة بساعات إلتقى الملك ممثلي المخيمات في البرلمان الأردني المحسوبين على حركة فتح دون غيرها والذين نجحوا في الإنتخابات البرلمانية الأردنية عام 2010 رغم أن بعضهم مسجل في كشوفات حركة فتح.
وخلال الجلسة الملكية التي حظي بها النواب محمد الظهراوي ومحمد الحجوج وعبدلله جبران وصالح مرجان طلب العاهل الأردني من النواب نقل تحياته لأهالي المخيمات في الأردن لكن بوضوح تم توقت هذا اللقاء مع رباعي المخيمات الأردنية قبل ساعات من الزيارة التي طلبها الرئيس محمود عباس الراغب في زيارة زعيم عربي لرام ألله قبيل خوض أو إكمال معركته الدبلوماسية الشرسة الحالية خصوصا بعدما حجبت إسرائيل عنه المال والرواتب.
ويبدو هنا أن اللقاء الملكي مع ممثلي المخيمات في البرلمان الأردني وبعده إرسال التحية لأهالي المخيمات شكل من أشكال الدعم لخطط قيادات ومنظمات مخيمات اللاجئين في الأردن الذين عزلوا مخيماتهم تماما عن الحراك الداخلي الأردني.
وينطوي هذا التلازم الوقتي بين النشاطين في عمان ورام ألله على رسالة سياسية طازجة تقول ضمنيا بأن الأردن وفي السياق الإستراتيجي لا يسعى فقط لهندسة العلاقة الأردنية الفلسطينية بل يتجه لترتيبات داخلية في نفس السياق أيضا ويعتبر كل هذه التحركات سواء في الوسط الفلسطيني الأردني أو أوساط سلطة عباس حزمة واحدة عمليا.
لكن يعتقد وعلى نطاق واسع بأن إستقبال عباس للملك الأردني في رام ألله أمس قد يعقبه وقريبا جدا إستقبال الزعيم السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عمان قريبا لان واحدة من أهم أهداف الزيارة الملكية الأردنية لرام الله قد يكون الاستعداد أردنيا هذه المرة لورقة وملف المصالحة الفلسطينية الوطنية التي يحاول خبراء ومعاونون للطرفين ترتيبها حاليا.
وذلك يعني بلغة سياسية أبسط بأن عمان تقطع خطوة مهمة قبل تطبيع العلاقات مع المجموعة السياسية في حركة حماس ضمن صفقة تترتب بهدوء ولإعتبارات داخلية أردنية فأحد أهم مؤشرات نجاح إستئناف التواصل مع حركة حماس أردنيا هو ضمان أن لا تنفلت بسبب ذلك العلاقة الأردنية مع سلطة الرئيس عباس.
وعمان هنا تقول بوضوح بأن ترتيباتها المقبلة مع حماس ينبغي أن لا تثير غضب وإستياء سلطة عباس ولن تؤثر على العلاقات الرسمية معها بل فوق ذلك يتبنى الأردنيون اليوم فلسفة البقاء في أقرب مسافة ممكنة لطرفي المعادلة الفلسطينية فيما يمكن وصفه بصحوة متأخرة للدولة الأردنية تشكل إستجابة لشروط التعاون مع الأخوان المسلمين في الداخل الأردني.
وعليه تصبح زيارة رام ألله دعما مباشرا لعباس ومناكفة للخط الإسرائيلي المعادي للمصالح الأردنية مرحليا وسعيا للإقتراب أكثر من ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس حتى لا يبقى المصريون مستأثرين بالملف وحدهم. وفي الطريق تخدم هذه الزيارة التي قد لا تؤدي لفارق حيوي فيما يتعلق بعملية السلام نفسها خطط الأردن لإستعادة العلاقة الدافئة مع الرئيس عباس الذي يلوح بأوراق التصعيد ويخوض معركة دولية بعنوان مشروع الدولة من طرف واحد.
والعلاقة بين عمان ورام الله توترت فعلا منذ عدة أشهر وأصبحت باردة سياسيا بعدما تم تغييب الأردن عن حفل المصالحة الأول مع حماس في القاهرة، وطوال الأسابيع الماضية خفف عباس من زياراته لعمان ومن التواصل معها ودخلت العلاقة معه في أروقة الإرتياب قبل نضوج الظرف الموضوعي الذي إنتهى بهبوط طائرة العاهل الأردني أمس في المقاطعة على أمل تقديم برهان عملي لمستشاري عباس المرتابين بأن عمان تتهيأ للقفز فوق أكتاف السلطة عبر صفقة منفردة مع خالد مشعل تخل بالتوازنات.
وعليه يمكن الإستنتاج بأن عمان التي حاولت في الأسبوعين الأخيرين إستعادة المبادرة لدورها الإقليمي الضائع عبر الملف السوري تقول لنفسها وللأخرين وللأخوان المسلمين ولعباس ومشعل معا بأن فرصة اللعب مع الجميع وبنفس الوقت وبطريقة آمنة ممكنة ولا تؤذي أحدا.. هذا باختصار المضمون المفترض لوقفة الأردن القوية أمس في محطة رام الله.