نعيش اليوم حالة من التخلف الهيكلي ونعاني بدرجات متفاوتة من الفقر وخلل في الاقتصاد.
حتى اللحظة لم تستطع النظريات الاقتصادية المختلفة من تقديم حلول دائمة ومتلائمة مع الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي نمر بها اليوم. فقد اثبتت الوقائع، سواء على المستوى النظري او العملي عدم مواءمة النظريات الاقتصادية التقليدية لمشكلات التخلف وعدم قدرتها على تقديم حلول مرضية بما يؤدي الىتحقيقالتنمية المستدامة.
فالتنمية بالنسبة الينا لا تستورد وإنما تستنبت، ويحتل فيها البعد الحضاري والموروث الثقافي والبنية الاجتماعية مرتبة الصدارة، قبل التشريعات والقوانين،.فهناك جوانب غير اقتصادية وغير مادية مهمة جدا في عملية التنمية، وفي مقدمتها الثقافة والإعتزاز بالإنتماء المدعم للعلاقات الاجتماعية المرتبطة بعدالة التوزيع في الجانب الإجتماعي، المرتبط بالحريات والديمقراطية في الجانب السياسي، وبين أفراد الشعب أنفسهم في الجانب الثقافي ومنظومة القيم والمبادئ السائدة في المجتمع.
العودة للجذور:
وفيموروثنا الحضاري والقيميكان النظام الاقتصادي ، مصدراً لا ينضب للقيم، والوحدة والتضامن والعدالة والسلام والتسامح والنظام والنتظام، مشجعاً للعلم من اجل دفع الرفاهه والعدالة الاجتماعية. وفي ظل هذه التعاليم فإن العدالة مبدأً اساسياً يجب ان تتصف به جميع اشكال النشاط الانساني، من خلال التشغيل الكامل ( مع التاكيد على محاربة الفقر) والتقليل من التفاوت بفضل اعادة توزيع ملائم للثروات, تستبعد فيه تركيز الثروات وممارسة الاحتكار وكذلك النشاطات غير المشروعة من احتيال وتدليس وفساد واختلاس الاموال والثروات والكنز والتبذير والبخل والربا.
في مكافحة الفقر؛ باعتقادي يجب العودة للجذور وتبني سياسة شاملة تهدف الى بناء وتنظيم الاقتصاد الوطني على قاعدة التشغيل الكامل.
القائم على خلقعمل جيد لجميع طالبي العمل. ذلك العمل المنتج الذي يستخدم الفرد فيه مهاراته ويحقق امكاناته في النمو، في ظروف تضمن الكرامة الانسانية، وبحيث يكون للفرد تحقيق دخل كافٍ لتفادي الفقر والعوز.
ومن الاجراءات المرجوة واللازمة لاقامة مجتمع عادل متحد ومتضامن في بيئة اقتصادية سليمة، ان تقوم على الاركان والدعائم الاربعة التالية:
1.محاربة البطالة من خلال سياسة نشطة للتشغيل من منظور تنموي وتنظيم التضامن الاجتماعي على اساس سياسة عادلة للتحولات الاجتماعية لصالح الفقراء والمحتاجين خاصة هؤلاء الذين يعانون من اعاقات بدنية تمنعهم من العمل.
ان اعادة تحقيق معدل نمو مرتفع في الناتج المحلي الاجمالي لن يكون كافيا لوحده لمحاربة الفقر، اذ ينبغي ان يصاحب ذلك قطاع واسع من المبادرات لتوفير فرص العمل التي توظف بشكل تام القدرات الانسانية، وتعزز الكرامة الانسانية وتعالج جوانب الفقر غير المتعلقة بالدخل، مثل الاستضعاف والاستبعاد. بمعنى اخر ضرورة توفير حزمة كاملة من السياسات العامة لضمان تكافؤ الفرص والتشغيل الكامل.
2.اعطاء اهمية خاصة لتنمية القطاعات الانتاجية ( المولدة للثروات من اجل اثمار مجهود التنمية) القائمة على التنمية الريفية وتنمية الزراعة والصناعات الصغيرة والمتوسطة وقطاع البناء والمقاولات.
ومن اجل تحقيق ذلك الهدف وأكبرقدرمنالمنفعةوأعلىقدرمنالنموداخلالمجتمعوالتحولإلىالاقتصادالحر،يجب تشجيع واشراك القطاع الخاص من ناحية واعادة دراسة الانفاق العام من ناحية اخرى.
وحيث ان المشروعات الصغيرة والصغرى مشهورة بارتفاع معدل فشلها، لذلك ينبغي ان تتوافر لها البيئة القانونية والتنظيمية الملائمة، والتمويل، والتدريب، والدعم الفني والاداري، والنفاذ الى الاسواق المحلية والخارجية.
3.تطويع الادوات المؤسسية المحيطة بالاقتصاد من اجل حماية العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي في آن واحد، في منظور ديناميكي.
وعلى الصعيد الخارجي ليس من طريق لتجنب اثار العولمة السلبية غير بناء مجالنا الاقتصادي بشكل مستقل ومؤهل للاستمرار، ويفرض نفسه على المستوى العالمي كشريك له مصداقيته.
4.واخيرا زيادة نفقات التنمية لصالح مجالات الصحة والتعليم والبحث الغلمي والتقني.
وبالفعل فان قيمة العمل الانساني واجبة، بما ان التنمية تعني اولا تاهيل الانسان ومشاركته الفعالة والمسؤولة في عملية بناء الاقتصاد الوطني التي يجب ان تجني ثمارها كافة عناصر المجتمع.
فتاهيل الانسان ورفع كفاءة رأس المال البشري هو حجز الزاوية في التقدم والخروج من التخلف، لذلك يجب الاستثمار في الموارد البشرية لإعادة بناء الثقة تمهيدا لإعادة تشكيل الطبقة الوسطى.و باعتبار أن الاجراءات الاقتصادية المنشودة تعتبر أن الإنسان هو محور التنمية والمستهدف منها فإنها ستعمل على إشباع حاجات المواطنين وفق سلم الأولويات وهرم الاحتياجات الخاص بها والمبني على مراتب الضروريات والحاجيات والتحسينيات فهي ستعمل بالتدرج والمرحلية على تحقيق ضروريات الحياة لكل فرد في المجتمع بدون استثناء لحفظ دينه ونفسه وعقله ونسله وماله وحريته من خلال توفير الحد الأدنى من المأكل والمشرب والملبس والسكن والعلاج والمواصلات والتعليم والأمن والحرية والكرامة ثم التوسع إلى الحاجيات بما يجعل الحياة أريح و رفع الحرج عن الناس بشكل دائم وفي مختلف المجالات، ثم الانتقال إلى التحسينيات بما يجعل الحياة ذات بهجة ومنظر حسن ويجعل المجتمع متميزا بالأناقة الحضارية في الحياة الفردية والجماعية، الخاصة والعامة والمادية والمعنوية بين المجتمعات الأخرى بما يجعله مجتمعا مرغوبا في الاندماج فيه والتقرب منه.
*اقتصادي وخبير مصرفي