ما الحقيقة إلا اشتقاق من الحق وما الحق إلا القاعدة التي يُستند إليها لإزهاق الباطل ومناصرة الطرف المُحق. وعندما يتم التطاول على الحق يكون هناك اعتداء على قانون الهي, من المفروض والطبيعي ان يُحترم من الجميع. ومن نواميس الطبيعة والبيئة إنسانا وحيوانا ونباتا منذ الخليقة أن تتحرك كل هذه المكونات عندما يتعرض حقها الطبيعي والإلهي الذي وهبه الله لها للإعتداء من طرف آخر لمحاولة السيطرة على حقها او مصادرته.
فالحركة ردة فعل طبيعية للدفاع وهذا أمر غريزي عند هذه المكونات ويصعب تنازلها عنه وإن تم انتزاعه فبعدصدام و نزاع ومقاومة لكن لابد أن صاحب الحق سيعيد تنظيمه ويعد العدة يوما ما وعندما يرى في نفسه الجاهزية والقدرة سيعود لاسترداد حقه ومهما كلفه ذلك من متاعب وأثمان.
فلماذا البعض يخشى الحقيقة ؟ ألحقيقة يخشاها من يعلم أن قبوله بالحقيقة يعني الاستسلام للحق الذي سيجرّده من مكسب أو سلطان أو جاه انتزعه أو أعطي له على غير وجه حق. إذاً سيتخلى عن الواقع الظاهر ويعود إلى الحقيقة وبذلك يكون قد انكشف وظهر بالصورة التي لا يرضى ولا يرغب الظهور بها. بمعنى آخر, أن المزايا التي انتزعها ظلما, سيُحرم منها عند انكشاف الحق والحقيقة .
وما الذي يجري من حراك في ربوع الوطن ومطالب الحراك ــــ التي نؤيد بعضها ونرفض بعضها الآخر ــــ إلا شعور وإيمان بأنه آن الأوان لاسترداد ما كان مفقودا ومصادرا ألا وهو الحق المنتزع . فالحراك جاء نتيجة للجاهزية التي شكلت عناصرها أمور لم تعد خافية على أحد منها الصبر الطويل الذي "يتحلى" به الأردني، أضف إلى ذلك ما جرى وما زال يجري في تونس ومصر وليبيا ودول أخرى. والمثل يقول: " ما بروح دين وراه مطالب." حتى وإن لم يحصل صاحب الديْن على ديْنه فإن تذكيره بالديْن سيسبب قلقا للمدين وحرجا يضعه في موقف لا يحسد عليه.
فرب قائل والقائلون كُثر لا نخشى الحقيقة ومستعدون لكل الظروف وذلك كلام يندرج ضمن مقولة " الشفافية " . طالما الحقيقة لا تخيف إذا لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد عندما نقولها ونطالب بها ؟ فلماذا لا تتم المواجهة ويقال بصراحة أن ما تقوله أيها الحراك ليس حقا ولا حقيقة بل الحق والحقيقة هما كذا وكذا؟
في الواقع، الذي يدور هو تظاهر بالإحتواء والحكمة وامتصاص الوهج اللاسع وكسب الوقت والمراهنة على أن المواطن يهيج في البداية ثم يهدأ شيئا فشيئا . لكن ألم يثبت بُطلان هذه النظرية في الفترة التي نعيشها منذ ما يقارب السنة؟ والربيع أزهاره قد بدأت تتفتح لكن وقت قطافها لم يحن بعد.
فوالله إني لكم ناصح أيها الساسة لأن القارئ بين السطور ليشتم رائحة مزعجة إنْ لم تُعالج أسبابها سيندم الكثيرون منا يوم لا ينفع الندم. وإني لأرى أسباب الرائحة تزداد يوما بعد يوم. فعلى ماذا تعوّلون؟ وعلى ماذا أنتم معتمدون والطوفان قاب قوسين أو أدنى؟ والطوفان لا يميز بين هذا وذاك بل يجرف كل عائق في طريقه وإن لم يجرفه يخلخله ويحطم أجزاءا منه لا محالة ومخلفا الدمار والكوارث وإزهاق الأرواح.
فلنستمع لكلام العقل الذي يصدرمن قائد المسيرة وجلّه موجّه للحاشية والبطانة ومنفذي كلام العقل ولتنفذوه وتطبقوه، لكننا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا لأن البعض يخشى الحقيقة وإحقاق الحق.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن.
والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com