حديث جلالة الملك إلى نخبة من المثقفين والأكاديميين الأردنيين، كان حديثاً طال انتظاره من الدولة، وكان توقيته في غاية الدقة، لا سيما ونحن نعيش هذه الأيام تداعيات فضائح وثائق ويكيلكس التي طالت مسؤولين وسياسيين أردنيين كانوا يتحدثون في الغرف المظلمة بعكس ما يتحدثون به في ضوء النهار، كما أن حديث جلالته لا بد وأن يعمل على إيقاف هذا النزف في توزيع الولاءات هنا وهناك من جهات محسوبة على الدولة، امتهنت تصنيف الناس بين موالين إذا هم تبنوا وجهة نظر الدولة ومعارضين إذا كانت مطالبهم تعكس توجهاً يخالف سياسية الدولة في مختلف القضايا، وما ينتج عن هذا وذاك من توتر مجتمعي لا يصب في مصلحة الوطن والمواطنين على حدا سواء.
حين يطالب جلالته في حديثه بأنه "يجب أن نكون أكثر وعيا وحذرا، وأن نميز في خطابنا السياسي والفكري بين مناقشة الهوية الوطنية، وعدم السماح بأخذ هذا النقاش نحو ثنائية تفتت المجتمع"، فإنه ينبغي على الجهات الرسمية في الدولة والتي اضطلعت بتقسيم ولاءات الناس حسب رؤيتها الضيقة، ان تعيد النظر في حساباتها واستراتيجيتها التي عملت على تجييش فئات من المواطنين ضد إخوانهم بحجة معارضتهم للنظام، وهم في حقيقة الأمر معارضون لبعض سياسيات الدولة وليس النظام بحد ذاته، هذا التجييش الذي اتخذ أشكالاً متعددة ومتطرفة في ذات الوقت، فمن السماح لظاهرة البلطجة والإعتداء على بعض الفعاليات تحت نظر الأجهزة الأمنية إلى ما يمارسه بعض هؤلاء الذين تم تجييشهم من ممارسات يندى لها الجبين على صفحات التواصل الإجتماعي من خلال الطعن في أعراض الناس وشرفهم لمجرد معارضتهم لبعض ساسيات الدولة دون حسيب ولا رقيب، لأنهم توهموا – وأرجو ان يكون توهمهم خاطئاً - أن الدولة واجهزتها الامنية تقف إلى صفهم وتساندهم وتقدم لهم الدعم المعنوي للنيل من معارضي سياسات الدولة بها الأسلوب المقزز الذي لا يمثل أخلاق الأردنيين الشرفاء بأي حال من الأحوال !!!!
على الحكومة وأجهزتها المعنية أن تعي جيداً كلام الملك، وان تأخذه نبراساً لها لتصويب سياساتها في التعامل مع الرأي الآخر الذي يمثله فئات كبيرة من الشارع وقوى وطنية وإسلامية وعشائرية ، فحين يقول جلالته في لقائه مع المفكرين والاكاديمين أنه " يجب أن نتحدث بصوت عال بالنسبة للهوية الأردنية والوحدة الوطنية بالنسبة لي خط أحمر، ولن نقبل أو نعطي المجال لنفر قليل مهما كانت منابته ومشاربه وغاياته أن يخرب مستقبل الأردن"، فهل تستوعب الحكومة وأجهزتها الامنية كلام الملك ام لا زال بحاجة إلى توضيح أكثر ؟؟
لا كلام بعد حديث الملك حول المخاوف من الوطن البديل، لأن جلالته اوضح في حديثه وبشكل واضح وصريح " أريد أن أطمئن الجميع لن يكون الأردن وطنا بديلا لأحد، وهل يعقل أن يكون الأردن بديلا لأحد ونحن جالسون لا نحرك ساكنا، لدينا جيش ومستعدون أن نقاتل من أجل وطننا ومن اجل مستقبل الأردن" ....
نعم نحن نفدي وطننا بأرواحنا وأموالنا أن دنا منه الخطر من أي طرف كان، ودماؤنا ستكون رخيصة للذود عن ثراه الغالي المجبول بدماء من سبقونا من شهداء أبرار ضحوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل الذود عنه والدفاع عن حياضه.
كلنا أردنيون ما دمنا نؤمن بهذا الوطن أنه للجميع متساوون فيه في الحقوق والواجبات وأن الفيصل في الانتماء والولاء للوطن بما يقدمه الجميع له دون منة أو فضل من أحد، وكلنا فلسطينيون ما دمنا نؤمن بحق إخواننا الفلسطينين في استعادة ما استلب من أرضهم طال الزمن أو قصر.
هذا كلام الملك، وهذا موقف الأردنيين الشرفاء، فهل يتوقف التجييش وتقسيم الولاءات والانتماءات من الحكومة وأجهزتها !!!!!