اخبار البلد_ كشفت المعارضة السياسية والنانب السابقة توجان فيصل وقائع مسكوتا عنها أثناء عملها نائبا في البرلمان، حيث تناولت اتصالاتها مع الملك الراحل الحسين التي قالت إنه كان مهتما بنشاطها تحت القبة وخارحه. وأوضحت أن الملك كان يتابع جلسات النواب من خلال كاميرات سرية مثبتة في زوايا المجلس. ووصفته بأنه "كان متفوقاً جداً بالذكاء السياسي الدبلوماسي".
وقالت فيصل في حوار، صريح وصادم، مع صحيفة "في المرصاد" ينشر على حلقات، إن الملك عبدالله الثاني، بعد توليه الحكم مباشرة، أرسل الأميرعلي بن الحسين من أجل ما سمته "تصحيح العلاقة بينها وبين القصر" في أعقاب مأ اصابها من تزوير الانتخابات الذي أدى إلى خسارتها مقعدها النيابي، وما تعرضت له من حملات واستهدافات تُسهب فيصل في استعراضها وبيان من تسببوا فيها.
الأمير علي أبلغ توجان فيصل، حسبما تروي، "نحن نعرف ما مورس ضدك من تزوير وخلافه، ونحن سنصحح كل شيء ونعيد لك كل حقوقك، ونريد أن تضعي يدك بيدنا لنصلح، علماً بأن هناك أناسا في القصر لو عرفوا أننا اتصلنا بك لا نعلم ماذا يمكن أن يفعلوا".
وقتها، تقول توجان، كان ما يزال هناك "صراع" في بداية تعيين الملك عبد الله الثاني، حيث توضح "أنا شرحت للأمير علي الصورة كاملة، وأن المسألة لا تقتصر فقط على تزوير الانتخابات. الرجل تفاجأ وللأمانة هو شاب نظيف، حتى إنه قال لي: (والله لو كنت مكانك لا أعلم ماذا كنت سأفعل)، ومع ذلك قلت له أنا مستعدة لأن أضع يدي بيد أبناء الملك حسين إن كانوا يريدون إصلاحاً".
لكنّ فيصل تستدرك: "تفاجأت بعدها بتعيين أبو عصام (عبد الرؤوف الروابدة) رئيساً للوزراء، فاتصلت بالأمير علي وقلت له: "ليس الروابدة العنوان الصحيح لبداية جديدة ومرحلة إصلاحية".
تاليا تفاصيل الجزء الأول من الحوار:
- توجان فيصل هل هي راضية عن مآلات النضال التي أفضى لها المشروع الإصلاحي الذي ناضلت عقوداً من أجله؟
نعم، راضية جداً، ومقتنعة بأنه الآن بدأ يتكرس كقناعة عند الشعب بكل فئاته، لقد أصبحت المطالبة بالمشروع الإصلاحي غير مقتصرة على فئة دون أخرى بل حالة شعبية جامعة.
عندما بدأت بطرح موضوع الدستور والتعديلات الدستورية عام 89 كان الدستور موضوعا على الرف، كان هناك محامون وقضاة لا يعرفون ما هو الدستور لأنهم لم يكونوا يتعاملون معه أصلاً، الذين انتبهوا لاحقاً لما كنت أطرح؛ كانوا من كبار المحامين مثل عمر النابلسي، حيث قام أحد قضاة العدل العليا باعطائه مقالا لي عن الدستور والتعديلات الدستورية، بعدها هاتفني عمر النابلسي على خلفية ذلك المقال وقال لي: "أنت نائبي في البرلمان من الآن"، كان ذلك بعد أن تم التزوير ضدي في انتخابات 89.
في تلك المرحلة لم يكن هناك انتباه إلى ذلك النوع من المطالب الدستورية، كانت المطالب كلها تتجه للأمور الحياتية والمعاشية، وعملت من أجلها، لكن بقي رأيي أنه لا بد أن نبدأ بالدستور، لا بد من أن نلقي بالبذرة حتى تنمو الشجرة، فالدستور هو أصل الخلل، لهذا كانت معاركي النيابية دائماً تتركز على المفاصل الدستورية، لقد كان قراري حينها أنه حتى وإن كنتُ نائباً واحداً في المجلس علي أن أمارس دوري الدستوري كاملاً. ما فعلته حينها كان أنني مارست دوري كأي نائب في برلمان عالمي ديمقراطي حقيقي.
- هل ينطبق ذلك مثلاً على معركتك ضد تكليف زيد بن شاكر برئاسة الحكومة؟
نعم، عندما تصديت لاختيار رئيس وزراء من العائلة المالكة لم يكن الدافع شخصياً ضد زيد بن شاكر، بل كان دستورياً محضاً، كذلك أثبتُّ حينها أكذوبة ثاني أقوى رجل في المملكة، فالرجل في حقيقة أمره لا يزيد عن الشريف جميل الذي جاء به الملك حسين عام 62 حتى يكون الملك هو رئيس وزراء نفسه. زيد بن شاكر كان رئيس وزراء شكليا، وكان لا بد من كشف ذلك، ثم إنه من الخطر الكبير أن يتداول أفراد العائلة المالكة المناصب التنفيذية، إذ أن هذا معناه أن نتحول إلى دولة مثل السعودية، وهو الأمر الذي لم يكن من الممكن قبوله في كل الاحوال. بالمناسبة كنت قبلها قد أرسلت تنبيها حول هذه المسألة إلى الملك عبر أبي عون (عبد الكريم الكباريتي) قلت له لو جاء الملك بأخيه الأمير الحسن سأتعامل معه كرئيس وزراء، لذا من الأفضل أن لا يأتي بزيد بن شاكر رئيساً للوزراء. في النهاية، وبعد الضغط الذي مارسته من داخل البرلمان أرسل لي أبو عون (الكباريتي) برسالة مفادها أنه سيقيل حكومة زيد بن شاكر ولكن بعد أن أنهي الملفات التي كنت فتحتها، طبعاً أنا كسياسية اتعامل بفن الممكن قبلت، ما عدا بعضها حيث كنت قد قدمت فيه أسئلة في البرلمان، وكان لا بد أن تتم الاجابة عنها حسب الأنظمة الدستورية، لذا قلت للكباريتي وقتها أنه بالنسبة للأسئلة التي طرحت لا بد من الاجابة عنها.
- هذا يقودنا لسؤال عن علاقة توجان بالقصر في عهد الملك حسين، وعن التقلبات التي كانت فيها، وكيف تصفين تلك العلاقة؟
نعم كان فيها تقلبات عنيفة، مرة حاول أن يفصلني من المجلس النيابي، وخضت المعركة حتى ارغمت سعد هايل السرور وقتها على نشر اعتذار عن ذلك، وتوسط بيننا عبدالله النسور، وكنت أعلنت عن نيتي عقد مؤتمر صحافي دولي، واشترطت حتى أتراجع أن ينشر السرور أسفه وندمه على مثل تلك الخطوة أو النية، وفعلاً نشر نص اعتذاره في الصحف كما طلبت، وعندي وثيقة ذلك الاعتذار.
- لكن عندما تم تكفير توجان فيصل على خلفية حديثها عن العدالة في قضية تعدد الزوجات وقف القصر إلى جانبها.
نعم، لكن الملك أعطى وساماً لمن قام بتكفيري، حيث اعطى نوح القضاة وساماً بعدها ببضعة أشهر ولم يبعده من الجيش. أتذكر بعدها أنه جعله قاضياً للقضاة لمدة شهر، ثم أحاله على التقاعد.
مما يذكر أنني لم أكن اعلم بأن الملك حسين يتابعني بهذه الدقة في ذلك الوقت، لم أعرف إلا بعد أن انتهت فترة نيابتي في عام ألفين تقريباً .
عبد الكريم الكباريتي أنه كثيراً ما كان يضيق بتمسكي القوي بمواقفي المعارضة، وعندما كنت ألتقيه لأشرح له بعض الأمور أو أقنعه بشيء ما، كنت أقول له أخشى أن تغير الحكومة رأيك لاحقاً فإن قالوا لك "لا" واجهني بهم، فيقول لي: "كوني معنا إذن ولن يغير أحد رأيي عندها"، فقلت له من الأفضل أن أبقى أنا ممثلا للشعب، لأنه إن أصبحت مع الحكومة لن يقول لك أحد ما يجري عند الشعب. كان يقول قبل ذلك "توجان امرأة موهوبة جداً وليت لدينا منها الكثيرات" وأنه يتابع برامجي، لكن طبعاً كان يريد مني الكثيرات في صف حكومات تنفذ إرادته وليس في المعارضة!
أحياناً كان يغضب ويعتبر ما أفعله جرعة عالية من المعارضة، والبعض كان يحاول أن يوغر صدره ضدي، لكن لأعترف بصراحة أنه كان أعقل من أن يُحرّض، كان الملك حسين يتمتع بذكاء ومقدرة السياسي الدبلوماسي، ربما كان الأمير حسن متفوقاً جداً في ذكائه العلمي المحض، لكن الملك حسين كان متفوقاً جداً بالذكاء السياسي الدبلوماسي.
- هل كان واسع الصدر؟
لا لم أقصد هذا المعنى، لأنه في الخمسينيات والستينيات كان هناك اعتقالات ، سعة الصدر لا تنطبق في السياسة، هناك حساب مصالح وحساب قوى وتوازنات، وهو كان بارعاً في ذلك، عندما كان الشحن والتحريض يزداد ضدي كان يقاطعهم، ونقل لي زيد الرفاعي وعبد الكريم الكباريتي أنه كان يقول لهم: "هذه السيدة حتى لو اختلفت معها لا تستطيع أن تنكر أنها قديرة".
- كان هناك اذن احترام متبادل بين الملك والمعارضة؟.
نعم، كنا نجلس ملكا ومعارضة جلسات مطولة وعديدة، وكذلك كنت أجلس معه بشكل فردي، وأحمل ملفاتي وأقول له المشكلة والحل معاً.-.
بعد وفاة الملك حسين، كنت وقتها غاضبة جداً، ذهبت وعزّيت طبعاً الأميرة بسمة لأنها كانت صديقتي وعزّيت الملك في الديوان، بعد ذلك ربما لاعتبارات عائلية لم تعد الأميرة بسمة قادرة على التواصل معي كما في السابق، وما لا يعرفه إلا قلة قليلة أن الملك عبد الله الثاني أرسل لي في بداية حكمه أخاه الأمير علي الذي قال لي حرفياً: "نحن نعرف ما مورس ضدك من تزوير وخلافه، ونحن سنصحح كل شيء ونعيد لك كل حقوقك ونريد أن تضعي يدك بيدنا لنصلح، علماً بأن هناك أناسا في القصر لو عرفوا أننا اتصلنا بك لا نعلم ماذا يمكن أن يفعلوا". وقتها كان ما يزال هناك صراع في بداية تعيين الملك عبد الله، أنا شرحت للأمير علي الصورة كاملة وأن المسألة لا تقتصر فقط على تزوير الانتخابات. الرجل تفاجأ وللأمانة هو شاب نظيف، حتى إنه قال لي: "والله لو كنت مكانك لا أعلم ماذا كنت سأفعل"، ومع ذلك قلت له أنا مستعدة لأن أضع يدي بيد أبناء الملك حسين إن كانوا يريدون إصلاحاً، تفاجأت بعدها بتعيين أبو عصام (عبد الرؤوف الروابدة) رئيساً للوزراء، اتصلت بالأمير علي وقلت له: حتى بغض النظر عن تحفظاتي على شخص أبي عصام، إلا أنه ليس العنوان الصحيح لبداية مرحلة وعهد اصلاحي جديد، بعدها جاء الأمير علي لزيارتي مرة أخرى، وقال لي "نحن لا نعرف البلاد" قلت له: "لو أنكم سألتموني لكنت أعطيتكم ثلاثين طاقماً وزارياً منسجماً لتختاروا من بينهم"، إلا أن الأمور ذهبت بعد ذلك في مجاريها بعيداً عن أي إصلاح .
- ألا يجب أن تدون كل هذه المعلومات التاريخية المهمة؟
بالتأكيد لا بد من ذلك، وأنا بالمناسبة أدونها من خلال مذكراتي لتكون وثائق سياسية عن تاريخ الأردن، حيث أحاول التأريخ للمرحلة التي شهدتها ومعظم تفاصيلها كانت تجري وراء الكواليس، ومن حق الاردنيين أن يقرأوها ويدرسوها جيداً. للأسف ليس لدينا مؤرخون حقيقيون، تاريخنا مزور وعادة ما نلجأ للمصادر الغربية لدراسة تاريخنا لهذا السبب. لذا سأصحح في مذكراتي الكثير مما كتب عن تاريخ الأردن في المرحلة التي شهدتها، فأنا كنت شاهدة عليها، وشريكة في الكثير مما جرى فيها.
- سأعود إلى العلاقة مع الاخوان المسلمين، توجان التي بدأت عملها العام بمعركة وقضية مع بعض رموز الفكر الديني في الأردن كانت بعد ذلك حليفاً للإخوان في المعارضة. كيف تطورت الأمور في هذا الاتجاه؟
مرة أخرى أعود لقولي السياسة يحكمها منطق التوازنات، والسياسي يجب أن يحسب هذه التوازنات جيداً، أنا كنت نائباً منتخباً من بين ثمانين نائبا، وكان لا بد أن أعمل من خلالهم، لا بد من تكتلات حتى تكون مؤثراً وفاعلاً، طبعاً كان في النفس شيء من المعركة القضائية التي كفرت فيها، وراجعت غوشة وقتها بالبيان الذي صدر عن الإخوان في تلك الفترة، فتعذر بأنه لم يكن موجوداً حينها داخل البلاد.
للأمانة الشعب الأردني كان عبقرياً في تلك القضية، عندما كُفّرت كان الشعب متعاطفاً جداً معي، ويدرك أن هذه مؤامرة لاغتيال توجان سياسياً، وحيثما كنت أحاضر في تلك المرحلة كان الحضور مذهلاً وضخماً، ويعكس تأييد الشارع الأردني لتوجهاتي، الحقيقة شعبنا أوعى بكثير مما يحاولون تصويره.
ما حدث بالنسبة للإسلاميين أنني عندما دخلت المجلس اعتبروا أن مجرد دخولي المجلس ضربة لهم، كنت قبلها قد نقلت ترشيحي إلى الدائرة الثالثة لأتحاشى التزوير عند فرز الأصوات، ترشح ضدي منصور مراد الذي كان نائباً مكرراً في نفس الدائرة وعلى نفس المقعد وكان معه منظمة التحرير إلى جانب دعم الاسلاميين. الاسلاميون كانوا أذكياء إذ لم يرشحوا أحدا ضدي بشكل مباشر وصريح حتى لا تكون الهزيمة لهم، كذلك نزلت جانيت المفتي ضدي ودعمها القصر، ومع ذلك فزت بفارق كبير عنهما، لذا عندما دخلت المجلس كان الإسلاميون يتوجسون مني، وفي البداية جرى صدام بيني وبين إبراهيم زيد الكيلاني عندما أرادوا أن يضمّنوا كتاب الرد على خطاب العرش عبارة "الشورى والديمقراطية"، قلت وقتها الديمقراطية هي التي أتت بنا، وأنا برأيي الشورى والديمقراطية شيء واحد، إن كان من فارق في الممارسة فهو الفارق بين آليات القرن السادس والقرن العشرين لكن المضمون واحد، لذا اعترضت على تكرار لا معنى له.
الحقيقة لم يكن لديهم برنامج سياسي، أو طرح واحد متماسك في ذلك الوقت، قام أحدهم وقال: "هي نفسها مع فروق بسيطة" وآخر قال: "هي تشبهها ولكن هناك فروق كثيرة جذرية" أما ابراهيم زيد الكيلاني فقال: "الديمقراطية كفر ومن عمل الغرب الكافر، أما الشورى فهي من الإسلام"، فاحتججت على هذا القول، وطلبت شطب كلامه من محضر الجلسة، وإحالته إلى مجلس تأديبي، ولهذا كما قلت لك قبلاً سألني الملك حسين عما قصدته لأنه كان يضع في خطاباته هذه العبارة (الشورى والديمقراطية) وأظنه كان دوماً يريد بها ذلك النوع من الشورى غير الملزمة وليس الديمقراطية الملزمة.
أعود لذلك الصدام مع الاخوان في البرلمان قلت لهم لن نقبل، وحتى تضعوا الشورى لا بد أن تشرحوا لنا ما تعنيه لنفهم قصدكم منها، ولن أضع توقيعي على شيء لا أعرف معناه، فإما أن تعرفوها لنا بدقة، وإما أن لا نضعها حتى تعرِّفوها لنا لاحقاً، وهو ما كان.
- ألا تلمسين فرقاً كبيراً بين هذا وبين طرح الاخوان اليوم، الكثير منهم يقول لا يوجد فرق بين الدولة الاسلامية والدولة المدنية؟
هذا لم يكن قبلاً، وهو ما قلته تماماً عندما تصادمت مع إبراهيم زيد الكيلاني في المجلس، كانوا في تلك المرحلة يمارسون أجندة واضحة منذ 89 واستمروا بها في المناسبة حتى وُقعّت اتفاقية وادي عربة، الدعوة إلى أسلمة القوانين والاتفاق مع الدولة من طرف آخر.
قلت: "ماذا تريدون من أسلمة القوانين"؟ كلما طرح هذا الأمر كانوا يلجأون إلى مقترح قانون منع الخمر، كان هذا القانون معلقا لاربع سنوات منذ مجلس 89 وأنا رددته، لأنه ضد الدستور وضد الشريعة أيضاً، ووضعت حينها ست نقاط أعُدها مرجعاً في هذه المسألة منها أنه يتناقض ابتداء مع مبدأ المساواة بين المواطنين، نقطة أخرى أن اسم القانون لم يكن "منع الخمر" بل كان "تنظيم العمل بالخمر" ذلك انهم قالوا: "لا يسمح للمسلم"، ولكن لغير المسلم مسموح، إذن هم أرادوا تنظيم عملية بيع الخمور وليس منعها، ثم إن القانون المقترح ينص على أن المسلم لا يتعامل مع الخمر وللحكومة أن تستثني وفق ما تراه مناسباً، فقلت: "عليكم ان تنتبهوا إلى أن تحريم ما أحل الله تشدد، ولكن تحليل ما حرم الله شرك"، كان من بين نواب الإخوان وقتها سليمان السعد الذي قال: "والله يا جماعة معها حق فيما تقول" ورمقه وقتها همام سعيد بنظرة ذات مغزىأ واشاروا له أن اسكتْ، وتم إعادة مشروع القانون للحكومة.
جاءني حينها عبد الرؤوف الروابدة ورجاني: يا توجان دعيه يمر، قلت له: "نعم، تلك صفقتكم، معهم بعض الشعارات الإلهية وأكذوبة أسلمة القوانين، أنتم وهم تضحكون على الشعب، لا يا أبا عصام لن تضحكوا على الشعب وأنا موجودة". مضى شهر وعاد القانون كما هو طبعاً اتفاقهم مع الحكومة منعهم من أن يعترضوا عليه، وأنا أبقيت مخالفتي كما هي وتم تجاهل الموضوع برمته، كنت أرفع يدي وأقول: "لنكمل الجدول السابق" ولكن من دون جدوى، وكأن هناك اتفاق ضمني بين الجميع على عدم مناقشته، وكانت تلك المرة الوحيدة في تاريخ المجالس النيابية التي قُفزَ فيها على نقطة في جدول أعمال المجلس، عموماً تلك كانت ملامح الصفقة بين الاخوان والحكومة، هذا الكلام ذو الطابع الديني يسوقونه ويستمرون في لبس عباءة الدين وتمثيل دور الشيخ مقابل الصفقة السياسية بين الجماعة والحكومة، حتى جاءت وادي عربة، فاضطرتهم لأول مرة أن يلعبوا دور السياسي؛ لأن هناك أراضي مقدسة لا يمكن أن يقبلوا إعطاءها لليهود بنظرهم، هنا صار عندهم انفصام داخلي بين حلفهم التاريخي مع النظام وبين موضوع وادي عربة، حتى إن أحد قياداتهم قالها للملك حسين: "نحن لا نستطيع موافقتك على الذهاب لمدريد ولكن سيروا على بركة الله واتركوا لنا بعض المنابر نعبر من خلالها عن وجهة نظرنا" وضحك الملك وقتها.
يعني صفقة من نوع جديد اتركوا لنا بعض الجوامع نخطب فيها ونندد، والدولة تسير في مسارات الاتفاق مع إسرائيل، حتى إنهم لم يصوتوا ضد الاتفاقية وانسحبوا، والانسحاب كما تعلم سلبي، وفي مصلحة فرض التوجه من دون معارضة، يعني كأنك تصوت لمصلحة فرض تلك الاجندة، والأصل أن الشعب لم ينتخبنا لننسحب أو نمتنع عند المفاصل المهمة في حياته وتاريخه.
إذا عملت بشكل جدي تجني نتيجة، عندما كلف عبد السلام المجالي بتشكيل الحكومة عملنا ضد أن تحوز حكومته ثقة كبيرة، وفعلاً بالكاد حصل عليها حيث أخذ 41 صوتاً، وكنت قد انتزعت من أعضاء التجمع قراراً بأن لا نشارك في الحكومة كوزراء، لذا عندما اجتمعنا في منزل سمير قعوار بعبد السلام المجالي قلت له يا أبا سامر نحن اجتمعنا قبلاً وصوتنا على أن هذه الحكومة لن تكون نيابية، ولم يكن ذلك حقيقة زهدا من عبد السلام المجالي بتوزير النواب.
- ألهذا لم تُحتمل توجان إلا دورة واحدة؟
نعم، تم التزوير ضدي بعدها، وأتاني زيد الرفاعي قائلاً إن الملك غير راض عن عدم نجاحك، وعرض علي دخول مجلس الاعيان، قلت له يا أبا سمير بعد أن أمر بتزوير الانتخابات لا أكون أنا في صفه وأعمل لحسابه، أنا في صف الشعب وأعمل فقط لحساب الشعب.
عن صحيفة بالمرصاد