أخبار البلد -    بعد مرور قرابة خمس سنوات على انشقاق تنظیم»الدولة الإسلامیة ــ داعش» عن تنظیم»القاعدة»والصراع الإیدیولوجي الحاد والصدام العسكري الدموي على تمثیل الجھادیة العالمیة، تنامت التحذیرات وتصاعد القلق وتكاثرت التوقعات حول إمكانیة عودة حالة الاندماج بین التنظیمین، وقد تواتر الخوف والقلق لدى العدید من الأجھزة الاستخباریة الدولیة ومراكز الدراسات والأبحاث فضلا عن مجموعة من الخبراء والباحثین من إعادة الروابط والصلات بین»داعش»و»القاعدة» تتدرج من التعاون فالتحالف إلى الإندماج، الأمر الذي یضاعف من نمو الخطر «الإرھابي»عبر .تأسیس نسخة»جھادیة»أكثر خطورة وأشد فتكا وأوسع انتشارا تستند التحذیرات من سیناریوھات الاندماج بین»داعش»و»القاعدة»إلى حقائق واقعیة ولیست متخیلة، وتأتي المخاوف من جھات مسؤولة على درایة ومعرفة وخبرة واسعة في مجال محاریة»الإرھاب»، وكان آخرھا تحذیر مدیر مصلحة الأمن الفدرالیة الروسیة، ألكسندر بورتنیكوف، في كلمة القاھا في السابع من تشرین الثاني الماضي في افتتاح أعمال المؤتمر السابع عشر لقادة الأجھزة الأمنیة في موسكو، تحدث فیھا أمام 125 وفدا من 80 بلدا و5 منظمات دولیة وإقلیمیة (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، منظمة شنغھاي للتعاون، رابطة الدول المستقلة، الجمعیة البرلمانیة المتوسطیة)، وأشار إلى أن التقارب بین»القاعدة»و»داعش» یجري في المجال الإعلامي، حیث یعمل كلا التنظیمین، رغم الاختلافات الإیدیولوجیة المعلنة،»على نشر أفكار الإسلام الرادیكالي وتجنید أنصار جدد، مع استخدام أسالیب وسبل .«متشابھة للتأثیر الإیدیولوجي، وإنشاء مجال إعلامي موحد وظیفتھ التعامل مع القاعدة المشتركة من مستخدمي الإنترنت أكد بورتنیكوف خلال المؤتمر على أن ھناك بوادر لبدء التقارب بین تنظیمي «القاعدة»و»داعش»، محذرا من المخاطر الناجمة عن احتمال دمج قدراتھما، وقال بورتنیكوف أن الجمع المحتمل لقدرات تنظیمي»القاعدة»و»داعش» ظاھرة خطیرة للغالیة تحمل في طیاتھا تبعات سلبیة متنوعة، موضحا أن ھناك بوادر للتقارب المحتمل بین التنظیمین الإرھابیین، وأشار إلى أن الحدیث یدور عن تنظیمین متشابھین إیدیولوجیا ویعتمدان على موارد بشریة مشتركة لتجنید مسلحین جدد على الرغم من وقوع اصطدامات مسلحة بین التنظیمین الإرھابیین، فثمة حالات كثیرة من انضمام عناصر أحدھما إلى صفوف الآخر، سواء أكان ذلك بدوافع نفعیة أو جراء تغییر الأوضاع .المیدانیة أو لأسباب أخرى لا جدال أن سیناریوھات الاندماج بین تنظیمي»القاعدة»و»داعش»، مرة أخرى مرجحة على المدیین المتوسط والبعید، فقد دخل التنظیمان في حالة من الاندماج سابقا، لكن إمكانیة الاندماج على المدى القریب وفي الوقت الراھن مستبعدة، فقد اتخذ الصراع بینھما شكلا ھویاتیا متطرفا حول تمثیل الإسلام بصیغتھ السلفیة الجھادیة ممثلا بتراث القاعدة وزعیمھا التاریخي الراحل أسامة بن لادن، ولم تفلح محاولات الفرقاء في احتواء الحلاف وباتت سیاسات القتل عملا روتینیا في بیان وجھات النظر، فداعش في نظر القاعدة تنتمي إلى فئة الخوارج .المارقین، أما النصرة فتنتمي إلى فئة الصحوات العملاء بالنسبة لداعش ترتبط ولادة»داعش»وھي التسمیة المختصرة لتنظیم الدولة «الإسلامیة» في العراق والشام، بتمرد الفرع العراقي للقاعدة على القیادة المركزیة للتنظیم بزعامة الظواھري، فقد جاء إعلان أبو بكر البغدادي أمیر»الدولة الإسلامیة في العراق» في التاسع من نیسان 2013 عن ضم «جبھة النصرة» في سوریا إلى دولتھ لتصبح «الدولة الإسلامیة في العراق والشام»، تتویجا حتمیا للخلافات التاریخیة بین الفرع والمركز والتي تم احتواؤھا إبان زعامة بن لادن، وقد تطور الخلاف بعد أن أصدر زعیم»جبھة النصرة»أبو محمد الجولاني في الیوم التالي لإعلان الدمج في العاشر من نیسان خطابا یرفض فیھ الامتثال للدمج والانضمام لـتنظیم»الدولة»، ومعلنا ارتباطھ بالتنظیم المركزي .للقاعدة وتأكید بیعتھ الصریحة للظواھري إن الخلاف بین الفرع العراقي للقاعدة والتنظیم المركزي لیس جدیدا، لكنھ تدرج منذ بیعة الزرقاوي لبن لادن وصولا إلى»إعلان الدولة»، فأجندة القاعدة تھدف منذ الإعلان عن تأسیس»الجبھة الإسلامیة العالمیة لقتال الیھود والصلیبیین» عام 1998إلى قتال الغرب عموما والولایات المتحدة خصوصا باعتبارھا حامیة للأنظمة العربیة الاستبدادیة، وراعیة لحلیفتھا الاستراتیجیة إسرائیل المغتصبة لفلسطین من جھة، والسعي لتطبیق الشریعة وإقامة الخلافة من جھة أخرى، فمواجھة الغرب ورفع الھیمنة الخارجیة، والتصدي للاستبداد وتمكین .الشریعة داخلیا ھما ركنا القاعدة الأساسیین أما أجندة الدولة الإسلامیة في العراق والشام فتقوم على أولویة مواجھة النفوذ والتوسع الإیراني في المنطقة ومحاربة «المشروع الصفوي»، وخصوصا بعد رحیل القوات الأمیركیة عن العراق، فالأساس الھویاتي ھو المحرك الرئیس لسلوك الفرع العراقي بینما الأساس المصلحي الجیوسیاسي ھو المحرك الرئیس للقیادة المركزیة للقاعدة، أما تمكین الشریعة فھو الھدف المشترك للطرفین، إلا أن توقیت الإعلان عن قیام الدولة في العراق ّ فجر خلافات تم تجاوزھا آنذاك نظرا للظروف الموضوعیة والأسباب العملیة، وساھم وجود بن لادن على رأس التنظیم بما یمتلكھ من كاریزما على تدبیر الاختلاف والتعایش الحذر، على الرغم من الانتقادات التي لم تنقطع لنھج وممارسة .الفرع العراقي المتعلق بتكتیكاتھ القتالیة من خلال التوسع في استخدام العملیات الانتحاریة وتحدید دائرة الاستھداف لقد كسبت التحذیرات من سیناریوھات الاندماج بین»داعش»و»القاعدة» زخما كبیرا بعد صدورھا من عدد من الھیئات الدولیة المسؤولة والشخصیات المرموقة والمراكز البحثیة الموثوقة، فقد حذر تقریر أممي أعده مراقبون تابعون للأمم المتحدة صدر في شباط 2018 من خطر اندماج تنظیمي القاعدة وداعش الإرھابیین، معتبرا أن الاندماج قد یلد شیطانا إرھابیا في شكل تنظیم جدید، وكان بروس ھوفمان من جامعة جورجتاون، من أوائل من حذر من سیناریو الاندماج في مقالة في مجلة (فورین أفیرز) بتاریخ 29 اذار 2016 بعنوان «الاندماج القادم بین داعش والقاعدة: حان وقت أخذ ھذا التھدید على محمل الجد»، توقع فیھا أنھ «بحلول العام 2021 ،ربما یعود تنظیما «القاعدة» و»داعش» إلى التوحد -أو أنھما یكونان قد دخلا في نوع ما من التحالف أو التعاون التكتیكي. ومع أنھ لا یبدو وارداً تماماً في المدى القریب، فإن مثل ھذا التقارب سوف ینطوي على الكثیر من المنطق لكلتا المجموعتین، وسوف یؤدي بلا شك، وفق محلل استخبارات أمیركي مطلع بشكل مخصوص، كنت قد سألتھ عن مثل ھذا الاحتمال، إلى نجوم تھدید «سیكون كارثة مطلقة ولم یسبق لھا مثیل بالنسبة .«لحكومة الولایات المتحدة وحلفائنا لم یكن ھوفمان منفردا في التحذیر من إمكانیة اندماج «القاعدة»و»داعش» ففي مقال نشره دانیل بایمان وھو أستاذ في كلیة الخدمة الخارجیة في جامعة جورج تاون، ومدیر البحث في مركز سیاسة الشرق الأوسط في معھد بروكینغز، في 26 ایار 2016 في مجلة «سلیت» بعنوان ھل سیظل «داعش» و»القاعدة» خصمین على الدوام؟، یذھب بایمان إلى الاتفاق مع زمیلھ ھوفمان، أن اندماجاً بین المجموعتین ربما یكون على الطریق، إذ یحذر ھوفمان ُ –محقاً- حسب بایمان من أنھ تم إخراج تنظیم القاعدة بشكل متكرر -وخاطئ- من الحسابات في الماضي. ویؤكد على أن التشابھات الأیدیولوجیة بین القاعدة و»داعش» تظل أعظم بكثیر من الفروقات، بحیث لیس من المفاجئ أن یجري اعتبار إحداھما فرعاً للأخرى. ومع أنني أتفق معھ على أن الحركتین ربما تندمجان معاً عند نقطة معینة، فإن خلافاتھما تظل عمیقة وتشكل تحدیاً حقیقیاً لأي وحدة محتملة بینھما. حسب بایمان یعد فھم أھمیة ومدى وأمد ھذا التنافس بین المجموعتین الجھادیتین أمراً حیویاً لجھود مكافحة الإرھاب في المستقبل؛ فبقدر ما ھاتان المجموعتان خطیرتان بشكل منفصل، فإن من المرعب التفكیر بما یمكن .أن تفعلاه لو أنھما كانتا متحدتین. ولیس احتمال تحقق ذلك الاتحاد بعید المنال كثیراً على ما یبدو على خطى ھوفمان وبایمان سار سكوت ستیوارت من مركز الدراسات الاستراتیجیة والأمنیة الأمیركي «ستراتفور» بتجدید التحذیر من خطر الاندماج «القاعدة» و»داعش» في مقالة بعنوان «ھل یستطیع «داعش» و»القاعدة» العثور على أرضیة مشتركة؟» بتاریخ 9 اذار 2017 ،خلص فیھا إلى القول: لا شك أن ضم العمودین الرئیسیین للحركة الجھادیة العالمیة قواھما معاً ھو واقع مثیر للقلق. ویمكن أن تشكل قدرات «الدولة الإسلامیة» و»القاعدة» المنضمة معاً خطراً كبیراً على بقیة العالم، وأن تجعل من التنظیمین عدواً أكثر خطورة بكثیر معاً مما یشكلانھ وھما منقسمان. ولكن، وحتى مع النكسات الأخیرة التي مني بھا تنظیم «داعش» في سوریة العراق، فإن إقامة تحالف بینھ .وبین تنظیم القاعدة سوف تكون مھمة أكثر صعوبة بكثیر مما قد یتوقع المرء خلاصة القول أن احتمالیة الاندماج بین تنظیمي «القاعدة» و»داعش» لیست متخیلة بل واقعیة، وتستند إلى جملة من الحقائق التاریخیة والموضوعیة، ذلك أن مبررات الاندماج أكبر من مقتضیات الانقسام، فالتشابھات الإیدیولوجیة بین التنظیمین والأھداف الاستراتیجیة تتفوق على عوامل الاختلاف، وتشیر التواریخ القریبة والبعیدة للحركات الجھادیة المتصلبة إیدیولوجیا إلى دخولھا في دورات من الانقسام والاندماج، وعلى الرغم من تفوق عوامل أسباب الانقسام على المدى القریب، فإن أسباب وعوامل الاندماج تتنامى على المدى المتوسط، .وتصبح مرجحة على المدى البعی