كشف اعتقال راقصة روسية عن توترات دفينه في ميدان الرقص الشرقي بالقاهرة، حسب تقرير لصحية "نيويورك تايمز″ الأمريكية، التي تقول أن العاصمة المصرية تتعرض إالى اجتياح شرق أوروبي و غربي في مديتان الرقص الشرقي ، وتنقل عن نقاد قولهم إن الوافدين يشوهون فناً قديماً والعديد من المصريين يرونه جزء من ثقافتهم وهويتهم الشخصية في مجال الأفراح وبكافة المناسبات وحتى السياسية منها.
في تلك الأمسية من الربيع الماضي وحينما داهمت عناصر سرية من شرطة الآداب المصرية ملهاً ليلياً من فئة الخمس نجوم والمطلة على النيل ليعتقلوا راقصة روسية . كان محور اهتمامهم منصباً على زيها كونه هو ورقة التوت الوحيدة التي تستر مفاتنها الظاهرة وبكل شفافية تفتقدها انظمة العالم الثالث من تحته. هل كانت الراقصة وشهرتها الفنية (جوهرة) ، والتي انتشر مقطع فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي مثيراً لإعجاب وحفيظة الكثيرين كذلك ، مرتدية "الأندر وير” الصحيح ، أو ما يطلق عليه رسميًا بالملابس الداخلية ؟ وهل هو بالمساحة الصحيحة وباللون المناسب؟ أم أنها ، وكما يخشى البعض ، لم تكن ترتدي السروال على الإطلاق !!
وأصرتجوهرة ، واسمها الحقيقي ايكاترينا أندريفا (30 عاما) على براءتها من كل هذه الافتراءات كما تقول ، ولكن الشرطة لازالت تدفع باتجاه سوقها للسجن مما يعزز الجدال الدائر حول مصيرها ، وهذا ما دفع مدير أعمالها وزوجها للجوء للخارجية الروسية في موسكو للضغط من أجل حل قضيتها. وهو ما سعى اليه الدبلوماسيون الروس في القاهرة من خلال زيارتها .
وقدمت أكياترينا إبان الإعتقال العديد من وصلاتها الاستعراضية الراقصة ، ولكن في زنزانتها الوضيعة عوضاً عن الملاهي الليلية ذات الخمس نجوم ، وبالتالي لم تكن في حينه زبائنها من تلك الفئة المقتدرة مالياً وانما بنات الليل ومن قبض عليهن في قضايا مخدرات. وهو ما علقت عليه قائلة: "تلك النسوة الرفيقات في السجن عاملنني بشكل جيد ، وطلبن مني الرقص وهو ما قمنا به جميعاً”.
بعد ثلاثة أيام من الاعتقال، بدا أنها ستُرحل ولكن في اللحظة الأخيرة، تدخل ذاك الفارس الأبيض الغامض – كما وصفته – وهو رجل أعمال ليبي له صلات قوية ، وخرجت من السجن بكفالة مالية.
لقد كانت دراما في ميدان الرقص الشرقي ، وهو فن يعود إلى قرون طويلة خلت واقترن بالعديد من المؤامرات والدسائس والاحداث السياسية في عصر مصر الحديث . فكما لعب دور في تشكيل الحاضنة لأدوار تاريخيه هامة للجواسيس الالمان والبريطانيين كما جرى خلال عهد فرقة بديعة مصابني وقصة حكمت فهمي. وفي الستينيات بعهد الرئيس جمال عبد الناصر والمشيرعبد الحكيم عامر كان لهن دور مع المارشال السوفييتي جريشكو وكما في السبعينيات من القرن الماضي بعهد الرئيس الراحل انور السادات ، كانت الراقصات تؤدي وصلات الاستعراض للرؤساء الأميركيين.
ففي العقود الأخيرة ، آجج الرقص الشرقي مشاعر متضاربة بين المصريين ، والذين يرونه إما فنًا راقياً وضرورة ترفيهية مفعمة بالحيوية أو ذريعة للانحطاط الأخلاقي.
وقضية السيدة أندريفا سلطت الضوء على تساؤل مهم وكما تقول هي: "إذا كانت القاهرة هي العاصمة العالمية للرقص الشرقي لماذا يبرز فيها النجوم الجديدة الوافدة ومن كل الجنسيات ، باستثناء راقصات مصر؟”.
من كييف إلى القاهرة
في حفل زفاف في إحدى ضواحي القاهرة، تهادت حافية الراقصة الأوكرانية (كوشنير)على حلبة الرقص المليئة بالأزهار، تلك الحلبة والتي هي مجرد مزيج من هدير من الأناشيد المختلطة وعاصفة من الصراخ والتشويش !
الشبان يرتدون البدلات الرسمية ، وبابتسامة عريضة يتسلقون فوق بعضهم البعض للحصول على رؤية أفضل للراقصة ، وتموضعت الفتيات الصغيرات في فساتين الحفلات خلفهن ، مقلدين الراقصة بينما مجموعة من النساء المحجبات يجلسن على طاولة ركنية يصفقن بحبور.
تقول السيدة كوشنير (33 عاما) وهي توضب ملابسها في حقيبة : "كان الوصول إلى مصر هو حلمي” ، وهنالك سيطرة من الأجانب على أهم ميادين الرقص الشرقي في مصر . وفي السنوات الأخيرة – هنالك سيطرة من قبل الأمريكيات والبريطانيات والبرازيليات ، ولكن بشكل خاص من قبل الأوروبيات الشرقيات والروس – وجميعهن يقدمن تميزا رياضيًا وانسيابية عالية للرقص وهو بلمسة تتذوق موسيقى الديسكو أكثر من تلك الموسيقى الشرقية السائدة في الليالي العربية التقليدية . إن نموذجهم الصريح والذي اكتسح السوق يختلف عن ذاك النموذج الإيحائي التي تقدمنه الراقصات المصريات الكلاسيكيات. وبعضهن (الأجنبيات) يقدمنه بشكل جنسي فاضح وصريح.
نشأت (كوشنير) في مدينة نيكولاييف الساحلية ، وكان حلمها بأن تكون عالمة آثار وتحمل شهادة جامعية في القانون. ولكن في عام 2010 ، ظهرت في برنامج تلفزيوني بعنوان "مواهب أوكرانيا” ، مما قادها إلى مسار وظيفي جديد.
ثم انتقلت إلى القاهرة ، عاصمة الرقص الشرقي ، حيث أصبحت نجمة حقيقية ، وتقوم أحياناً بتأدية خمس وصلات رقص في الليلة الواحدة وذلك لحفلات الزفاف الراقية والمناسبات الراقية ، حيث يمكن لكبار الراقصات ان يكسبن 1200 دولار أو أكثر. وقد حاز أحد مقاطع الفيديو الخاصة بها على يوتيوب على أكثر من تسعة ملايين مشاهدة .
من جانب آخر يتذمر المحافظون من الغزو الثقافي الأجنبي لدولة لها هويتها الثقافية العريقة. إنهم يتهمون الوافدون بتشويه التراث الشرقي من أجل المكسب المادي وهو ما حرف مسار الرقص الشرقي الأصيل عن مساره. وهو أمر حتى بعض الأجانب يتفقون معه.
خريجة جامعة "هارفارد” من نيويورك
"كثير منا ، يفتقر إلى فكاهة وظرافة وتسامح المصريين”، هكذا تقول ديانا إسبوزيتو ، وهي خريجة من جامعة هارفارد من نيويورك ، جاءت إلى مصر في عام 2008 بمنحة دراسية من "فولبرايت” وبقيت فيها بعد ان امتهنت الرقص الشرقي.
السيدة إسبوزيتو، التي تحمل اسماً فنياً (لونا) في القاهرة ، لاحظت بأنه لا يزال في هذه الصناعة الآلاف من الراقصات المصريات. ولكن معظمهن يندرجن في أسفل المراتب الوظيفية – يعملن بالملاهي سيئة السمعهة بالقرب من الأهرامات أو المواخير الموجودة على النيل.
وقالت إسبوزيتو والتي عادت مؤخراً إلى بروكلين: "يبدو الأمر وكأن الراقص المصري من الأنواع المهددة بالانقراض ، وهو أمر محزن للغاية”. " انا حزينة للفن . وحزينة لمصر ".
ومع ذلك ، لا يزال الرقص الشرقي يضم ملكة واحدة دون منازع – وهي راقصة مصرية تم اعتبارها ملكة الرقص الشرقي وبالأجماع.
آخر ملكة مصرية !
كان ذلك بعد الساعة الثالثة فجراً في الكباريه في فندق سميراميس الفاخر حينما تهادت دينا على المسرح، متلألئة في دائرة الضوء، يرافقها عزف 17 أداة موسيقية .
توزع النُدُل في المكان كالقوس محيطين بها . دخان السجائر يعبق في الاجواء . جمهور فريد من رجال ونساء عرب وسائحون غربيون، كثير من النساء واعدادهن تقارب الرجال ، كل هؤلاء شاهدوا من يتابعون الوصلة من موائدهم الحمراء المذهلة في فخامتها.
رقصت الأسطورة في مجالها وهي دينا طلعت سيد والمعروفة في كافة أنحاء الشرق الأوسط من قبل الكثير من لأمراء ورؤساء وديكتاتوريين من خلال مسيرة مهنية امتدت لأربعة عقود ، وقالت بابتسامة ساخرة: "نعم ، القذافي” ، مشيرة إلى الرئيس الليبي المخلوع. "هو رجل غريب. غريب للغاية.”
وتؤكد السيدة دينا على أنها تدرك مواقف المصريين المتناقضة حول مهنتها كراقصة: "الحب والكراهية – وهذه نظرتهم لنا كمجتمع وهي تتلخص بهذا الشكل ” ، وقالت. "لا يمكن للمصريين القبول بحفل زفاف بدون راقصة شرقية . لكن أن يتزوج احدهم من أخت راقصة – يا للهول ! هذه مشكلة كبيرة.”
وصمة العار هي جزء من أدوات التزمت المطرد والذي قيد الفنون في مصر إبان العقود الأخيرة. وإلى حينه فمجرد التلميح إلى قبلة هو أمر محظور في الأفلام المصرية ، وبحيث تجري مراقبة دقيقة لكلمات الأغاني ايضاً ، وفي حالات تمت فيها بعض التجاوزات ، قام المحافظون بمطاردة الفنانين من خلال المحاكم. ومن هؤلاء مثلا ، تقبع مغنية البوب (شيماء) في السجن بتهمة "التحريض على الفسق” من أجل فيديو فه ايحاء جنسي. وفي عام 2015 ، تم منع راقصة شرقية من الترشح للانتخابات كونها "تفتقر إلى السمعة الجيدة” ، كما أشار القاضي في حيثيات الحكم حينها.
وقال بسام عبد المنعم ، مدير أعمال الراقصة أندريفا: "إن المصريين يرون راقصة مصرية كفتاة ليل”. "ولكن ينظرون للأجنبية كنجمة.” ولكن هناك استثناءات من هذه الصورة النمطية فمثلا إحدى الراقصات البارزة وهي إيمي سلطان ، والمنحدرة من عائلة ثرية وتدربت كراقصة باليه. وهنالك استثناء آخر وهوفيفي عبده، يرونها كنز وطني مصري ينظر اليه بمزيج من المودة والسخرية والفكاهة وذلك لشخصيتها الصاخبة ، وقد عادت للأضواء من التقاعد بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. في الآونة الأخيرة، يمكنك ان ترى السيدة عبده والبالغة من العمر 65 عامًا ، متألقة أمام زوج من أجهزة الايباد ، متوجهة لمعجبيها وهم يناهزون الثلاثة ملايين متابع على فيسبوك وتطبيق انستغرام في بث يتجاوز الساعة من الثرثرة الحميمية والقبلات الطائرة على الهواء.
صاحت بشكل عفوي عندما كانت الشاشة مملوءة بقلوب حمراء”سلمى! أحبك أحبك أحبك!”
ولكن بالنسبة للسواد الأعظم من الراقصات المصريات ، يمكن أن يكون الثمن الإجتماعي والذي يدفعونه للممارستهم هذة المهنة باهظاً للغاية.
رندة كامل مثلاً ، والتي تدير مدرسة رئيسية للرقص الشرقي في القاهرة تجذب الطلاب من جميع أنحاء العالم ، تعرضت للضرب في سن المراهقة من قبل والدها والذي لم يوافق على إمتهانها الرقص . وحتى الآن ، يخفي ابنها البالغ من العمر 17 عامًا مهنة والدته عن أقرانه في المدرسته الثانوية الخاصة التي يدرس بها، وهي أيضاً تنزع كل زينتها البراقة من أظفار صناعية وما شابه حينما تقابل مدرسيه.
"لهذا السبب لا أذهب على التلفزيون ،” قالت السيدة كامل. "أريد أن يحظى ابني بحياة جيدة. هناك قدر معين من الشهرة غير محمود العواقب. "
رب ضارة نافعة
والى حينه لا تزال السيدة أندريفا ، والتي سجنت لفترة قصيرة ، غير متيقنة مما حفز غارة الشرطة في شباط فبراير الماضي ، ولكنها تجد بركات هذا اليوم سيء الذكر في حياتها !
فمنذ ذلك الحين ، ارتفع الطلب على عروضها، وتضاعف أجر ظهورها ، ويسعى إليها الأغنياء وأصحاب النفوذ ، ومن بين العملاء الذين انضموا مؤخرا لركب المعجبين لعروضها ، عائلة أحد كبار رجال الأعمال في مجال التعدين والصلب في مصر ، وابنة رئيس وزراء مصر وابن العم المنفي للرئيس السوري بشار الأسد.
ويبدو أن المخاوف الرسمية بشأن تصرفها – وسراويلها القصيرة – قد اختفت ! فما إرتدته في الفيديو والذي وضعها في مأزق أمسى جزء من هويتها الإستعراضية في عروضها الان .
وحتى قائد الشرطة الذي احتجزها في سجنه أصبح من المعجبين ، وحجز بنفسه السيدة أندريفا لعديد من حفلات زفاف عائلية ، كما قال مدير أعمالها ، السيد منعم .