محددات الموقف الفرنسي من أزمة « الجاسوس» سكريبال

محددات الموقف الفرنسي من أزمة « الجاسوس» سكريبال
أخبار البلد -  


تهدد الأزمةُ الديبلوماسية التي نشأت بين بريطانيا وروسيا في أعقاب تسميم الجاسوس المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته في أحد المراكز التجارية جنوب بريطانيا، الأمن والاستقرار الأوروبيين. وتختلف تفسيرات الحادث ما بين اتهام الدول الغربية المخابرات الروسية بتنفيذ عملية الاغتيال، في حين تدافع الدول الحليفة لموسكو عن أطروحة قيام جهاز الاستخبارات البريطاني (أم آي6) بتنفيذ العملية لضرب صورة روسيا قبل مونديال كأس العالم الذي تستضيفه الشهر المقبل.


وفي اختلافٍ مع مواقف التيارين تتخذ الحكومة الفرنسية موقفاً خاصاً يخضع لاعتبارات معقدة، منها: المصلحة الوطنية، وتضارب مصالح الحلفاء أنفسهم. وعليه، يناقش هذا التحليل الموقف الفرنسي من الأزمة في محاولةٍ لتفسير سلوك صناع القرار في ضوء محددات السياسة الخارجية الفرنسية، والمسارات المستقبلية لموقف باريس في ضوء قراءة الحاضر.

أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل واضحٍ في مكالمة هاتفية مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في الساعات الأولى لانتشار الخبر، أن هذه العملية تعتبر «هجوماً غير مقبول» من الجانب الروسي. وقد تشابهت مفردات الرئيس الفرنسي مع توصيفه العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا بوصفها بـ «الهجمات». وبعد إدانة روسيا بشكل مباشر، حيث صرّح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بأنه «لا يوجد موقف وسط في مثل هذا النوع من الأزمات»، قامت باريس بطرد أربعة ديبلوماسيين روس، كرد مباشر على طرد موسكو عدداً من الديبلوماسيين الأوروبيين.
 
 

ويأتي رفض باريس العملية الروسية مبدئياً كموقف لا يتجزأ من ثوابت السياسة الخارجية الفرنسية في الفترة الأخيرة، وهي:

- تأكيد حظر استخدام الأسلحة الكيماوية، وهو موقف حاسم للسياسة الخارجية الفرنسية ظهر بوضوح إبان الهجمات الكيماوية في سورية، بوصفها من الدول الرائدة في معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1997. فالموقف الفرنسي يأتي من زاوية اهتمام باريس بإظهار التزامها المعاهدات الدولية التي أقرتها حفاظًا على صورتها كدولة تحترم القانون والشرعية الدولية. وكثيراً ما تُظهر فرنسا في العديد من الأزمات أن الدافع الأخلاقي يشكِّل بعداً مهماً في سياستها الخارجية ولو كانت مواقف الحلفاء مغايرة، فعلى سبيل المثال، رفض الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الاشتراك في التحالف الدولي ضد العراق عام 2003 على الرغم من اشتراك الحلفاء في الحرب، انطلاقًا من دوافع قانونية بعد رفض مجلس الأمن الاشتراك في التحالف.

- البعد الأوروبي للدور الفرنسي، إذ لا يمكن أن ينسى ماكرون أن الفرنسيين انتخبوه لأنه كان المرشح الوحيد صاحب الاقتراب الأوروبي التعاوني الشامل للتغلب على مشكلات القارة والمشكلات الداخلية. فالرئيس الفرنسي حريص في سياسته الخارجية على التقارب مع الرؤية الألمانية بوصف برلين الحليف الرئيسي له بعد خروج بريطـــانيا من الاتحاد الأوروبي. ويأتي التقارب الفرنسي- الألماني بناء على قوة الدولتين الاقتصادية بوصفهما الأكثر تأثيراً بين دول الاتحاد، كما تلتزم الدولتان بالتزام أخلاقي تاريخي.

- سياسة الردع الاستباقي، حيث أعلن وزير الخارجية الفرنسي أن ما حدث في بريطانيا لو لم يتم التعامل معه بشكل حاسم وجماعي فإنه قد يتكرر في أيٍّ من العواصم الأوروبية الأخرى. وقد استخدمت تلك السياسة في السابق في السياسة الخارجية الفرنسية منذ سياسة المقعد الفارغ التي اتبعها شارل ديغول عام 1962 لعدم تضخيم الأزمة الجزائرية، واستخدمت حديثاً إبان الهجمات الإرهابية في باريس، بتشكيل لجنة مكافحة إرهاب بالتعاون مع الدول الحدودية في إطار استباق الأخطار الإرهابية قبل حدوثها.

وبناء على محددات الموقف الفرنسي الحالي يمكننا استخلاص نتيجة مهمة مفادها أن الموقف الفرنسي الصارم ضد روسيا لا ينبع من كره فرنسيٍ عام للمواقف الروسية، أو من قناعة أيديولوجية في ظل غلبة اعتبارات المصلحة على الاعتبارات الفكرية، وإنما يمكن تفسيره في إطار سياسة أوروبية عامة وقناعات ثابتة تحدد بصفة عامة مواقف السياسة الخارجية الفرنسية.

هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية للدور الفرنسي في الأزمة الديبلوماسية بين بريطانيا وروسيا على خلفية تسميم سكريبال، وهي على النحو الآتي:

السيناريو الأول: مسار التهدئة وتخفيف حدة التصعيد: على الرغم من الموقف الفرنسي الحاسم، إلا أن باريس فتحت المجال أمام الدول التي ترغب في تخفيف حدة التصعيد وإتاحة المجال لتهدئة الأزمة. فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي لودريان أن زيارة ماكرون المرتقبة إلى روسيا يومي 24 و25 من أيار (مايو) الحالي سيتم إجراؤها وفقاً لجدول الأعمال المتفق عليه مسبقاً. وقد تنتهج فرنسا مستقبلاً مسار التهدئة بمبادرة منها اقتناعاً بأن التصعيد أكثر من ذلك ستكون له آثار سلبية على مستقبل العلاقات الفرنسية- الروسية التي تُعتبر علاقات استراتيجية، خصوصاً في مجال التسلح والطاقة.

وينبع مسار التهدئة بصورة عامة من استراتيجية فرنسية معروفة بمحاولة تحقيق نصر ديبلوماسي في الأزمات المعقدة بطرح مسار التهدئة في ظل تفاقم الأزمة قبل أي طرف آخر، حتى إذا لجأت الأطراف المتنازعة إلى هذا الحل يتم إرجاع الفضل لباريس في تسوية النزاع. وقد اتبعت فرنسا هذه الاستراتيجية مع إيران، فقد كانت من أوائل الدول التي قامت بإرسال وزير خارجيتها إلى طهران بعد التوقيع على الاتفاق النووي في تموز (يوليو) 2015.

وتُشير القراءة الأولية للأزمة إلى أنّها تشكل تهديداً غير مباشرٍ للأمن القومي الفرنسي، ومن ثمَ من غير المتوقع أن تُبادر فرنسا إلى انتهاج مسار التهدئة ولو أنها لم تستبعد نهائياً هذا المسار لانتهاز أي فرصة لتحقيق نصر ديبلوماسي. وسيرتبط مسار التهدئة الفرنسي ارتباطاً وثيقاً بموقف الاتحاد الأوروبي المستقبلي، وموقف ألمانيا على وجه التحديد.

السيناريو الثاني- تجميد الوضع الراهن: لا تشكل هذه الأزمة تهديداً مباشراً للأمن القومي الفرنسي، وإن كانت تتداخل مع مصالح مباشرة لها ومصالح مجموعة من حلفائها. ومن المرجَح ألا تقوم باريس بمزيد من الإجراءات التصعيدية في حالة عدم وجود تحرك روسي تصعيدي، ومن المؤكد أن فرنسا تنتهج ذلك حالياً من أجل كسب المزيد من الوقت، والتخفيف من حدة تصعيد الأزمة.

السيناريو الثالث - مسار التصعيد: تخضع احتمالات انتهاج هذا السيناريو لمحدد آخر مهم يتمثل في مدى صمود السلطة في باريس أمام الاستفزازات الروسية، سواء كان ذلك على مستوى التصريحات أو على مستوى الإجراءات الفعلية. فقد خصّت وزارة الخارجية الروسية فرنسا في إطار سؤالها حول الأسس التي تعاونت باريس بمقتضاها في الجانب الفني للتحقيقات في هجوم سالزبوري (المدينة البريطانية التي شهدت تسمم سكريبال) بدعوة من بريطانيا. كما استفهمت وزارة الخارجية الروسية حول قيام فرنسا بإخطار منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قبل الانضمام للتحقيق، إضافة إلى الأسس التي بنت عليها باريس زعمها بأن المادة المستخدمة في سالزبوري روسية المنشأ.

ولم تقتصر تلك الاستفزازات على بعض التصريحات التي تقابلها باريس بالتجاهل، ولكنها شملت أيضاً تحركات روسية في المنظمات الدولية لمعارضة بعض التوجهات الفرنسية.

وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً، لأن فرنسا تتحرك من موقف قوة يجمع الدول الأوروبية بصورة عامة وتسانده الولايات المتحدة. كما أنه من غير المتوقع أن تقوم روسيا بإجراء تراجعي، أو الاعتراف بقتل الجاسوس المزدوج. ومن ثم يمكن توقع تصعيد فرنسي في أول مناسبة ممكنة، ألا وهي صدور نتيجة التحقيقات من الجانب البريطاني.

خلاصة القول، تتقارب مواقف فرنسا مع مواقف حلفائها الأوروبيين، ومن خلفهم الولايات المتحدة. ومن المتوقع مستقبلًا أن يكون تصعيد باريس تجاه الأزمة مرهوناً بمواقف بريطانيا وألمانيا ومن قبلهما مواقف الرئيس الروسي بوتين، وكذلك لإصرار باريس على التمسك بالثوابت العامة لسياستها الخارجية، وإصرار روسي على عدم التهدئة.
 
شريط الأخبار الحنيفات : كل فرد في الأردن يهدر 101 كيلو من الطعام سنويا كانت "سليمة".. انتشال جثة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية يقرر الموافقة على تسجيل وإنفاذ نشرة إصدار صندوق استثمار مشترك مفتوح "النقل البري" تفقد صلاحية المركبات العمومية استعداداً لفصل الشتاء نقيب المجوهرات علان : يوضح سبب تراجع فاتورة الذهب المستورد اخطاء نحوية في تغريدة مهند مبيضين ..والجمهور "مين اضعف هو ولا المناهج" ميقاتي: ليس لنا خيار سوى الدبلوماسية الملخص اليومي لحركة تداول الأسهم في بورصة عمان لجلسة اليوم الاحد .. تفاصيل الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل نبيل قاووق القيادي البارز بحزب الله الاحتلال يؤكد اغتيال القيادي بحزب الله نبيل قاووق الغذاء والدواء توافق على تسجيل 63 صنفًا دوائيًا لتعزيز الأمن الدوائي مهم من الضمان حول توزيع مبالغ مالية التعليم العالي تعلن عن بدء تقديم طلبات القبول الموحد لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين قصة نجاح الطالب عنان عدنان رجب دادر من ذوي الاحتياجات الخاصة مصادر إسرائيلية: كنا نعلم مكان نصر الله منذ 3 أشهر ضيف "غير مخيف" يصل سماء الأردن الليلة "نصرالله لم يكن في مكان الاجتماع".. كيف اغتال العدو الأمين العام للحزب؟ بالصورة - نعش القائد الكبير: السيد نصرالله شهيدا على طريق القدس الظهور الأخير لأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله قبل اغتياله (فيديو) وفيات الاردن اليوم الأحد 29-9-2024