أخي وصديقي جمال ، ما كنت أتخيّل أن تأتي هذه اللحظة التي أرثيك بها أيها الروائي العظيم ، الكاتب
الطليعي ، المفكّر التنويري ، فبفقدك خسرنا قلما تقدميا ، وكاتباً مؤمنا بمدنية الدولة ، وروائيا طليعيا ترك
بصمات ظاهرة على مسيرة الرواية الأردنية والفلسطينية والعربية ، وواحدا من أبرز الروائيين العرب.
لا تقوى الكلمات على تصوير هول الألم والحزن على فقدك ، وستبقى صورتك البهية ، وروحك العذبة معنا في
كل مكان وزمان ، وعزاؤنا أن يكون مكانك في السماء خيرا من مكانك في الدنيا ، فليرحمك االله أيها النبيل ،
ويلهمنا وذويك الصبر والسلوان
فجعتنا برحيلك يا جمال
أخبار البلد - في وقت متأخّر من ليل الأحد السادس من هذا الشهر التعيس ، فاجأتني الأنسة
منال حمدي ، سكرتيرة تحرير مجلة أفكار، على غير العادة ، باتصال هاتفي تخبرني
فيه أنها قرأت على صفحة محمد المشايخ خبر وفاة جمال ناجي..قلت لها لعلك
تعنين أخاه ، وربما اختلط الأمر على المشايخ في حديثه عن تأبين أخيه..قالت لا هو
يتحدث عن جمال وسأرسل لك الخبر على الواتسب أب.. صعقني الخبر ، أغلقت
التلفون وأنا في حالة من الذهول بين مصدّق ومكذّب ، راجيا االله أن يكون الخبر
كاذبا ، وفي ذلك الوقت حضرني بيت المتنبي :
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزغت فيه بآمالي إلى الكذب
كنت آنذاك أتعلّق بأمل سرابي ألا يصدق الخبر ، ولكن الخبر الفاجع جاءني ليلا من الزميلة مجدولين أبو الرب
التي أكّدت الخبر وهي تبكي ، ليدخلني ذلك في حالة من الحزن والألم ، فهل يعقل أن يختطف الموت شابا
بكامل صحته وعافيته ، في لحظةغادرة ؟ فيا إلاهي أيكون الموت سريعا ومفاجئا هكذا ؟ أيعقل أن يغدو إنسان
ملأ الدنيا فكرا وأدبا ونشاطا ، في لحظة خاطفة ، في عداد الأموات ؟ لقد كنا على موعد معه في اجتماعنا
الدوري لمجلة أقكار بعد يومين ، لكن ملاك الموت سبقنا إليه ، فكيف يكون الموت قاسيا إلى هذا الحد ؟
أخي وصديقي جمال ، لقد رحلت قبل الأوان دون أن تقول لنا وداعا ، فهل مللت أحاديثنا ؟ هل ضجرت من
نقاشاتنا ؟ هل اشتقت لأخيك المناضل الذي سبقك بشهور قليلة ، وحدّثتني طويلا عن دوره السياسي ،
وصراعه المرير مع ذلك المرض الخبيث ، وعن ارتفاع معنوياته لدى زيارتك له في آخر أيّامه ؟ أم هو ألم وقهر لما
تعرّض له مشروعك الثقافي في الآونة الأخيرة ؟ هل جاء موتك رفضا لرؤية افتتاح السفارة الأميركية في القدس ،
المدينة التي اقترحت أن يخصص لها عدد كامل من أفكارلإثبات عروبة القدس التي يحاول الصهاينة تشويه
وجهها العربي ، وعملت على إشهار العدد باحتفالية يرعاها وزير الثقافة ، وناضلت من أجل صدور العدد بملحق
مجاني مع الصحف ، ليصل إلى أوسع قطاع من الناس ؟
لم يحتمل قلبك الرقيق ظلم هذا العالم وقسوته ، ولم يقو على رؤية القدس تتهوّد، وما احتمل حجم الظلم
والقتل الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ، وشلال الدماء النازفة في أرجاء الوطن العربي ، فخذلك ليريحك من
هذا العناء.