«العين بالعين» لشكسبير: خلف ستار السذاجة المدهشة!

«العين بالعين» لشكسبير: خلف ستار السذاجة المدهشة!
أخبار البلد -  

 

 

ربما لا تكون مسرحية ويليام شكسبير «العين بالعين» واحدة من أشهر أو أقوى مسرحيات شاعر المسرح الإنكليزي الأكبر، لكنها بالتأكيد واحدة من أطرف تلك المسرحيات، وبالتالي فإن كل تقديم لها على الخشبات في أي مكان في العالم، يعتبر حدثاً مسرحياً حقيقياً، دون أي اهتمام بكون مؤلفها هو شكسبير. ذلك أن مسرحية «العين بالعين والسن بالسن»- وهذا هو عنوانها الكامل-، تبدأ وكانها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث الخليفة يلاحظ الفساد المستشري في مملكته، فيقرر أن يتخفى زاعماً انه على سفر. ويسلم قيادة البلاد لمعاون له، ثم يروح هو، في تخفيه- ومن دون أن يبرح المكان- يراقب ما يحدث ليكتشف مواقع الخلل.

 

 

> وكما يحدث، عادة، في مثل هذه المواقف في «الليالي العربية»، تتحول الحكاية في نهاية الأمر من حكاية عامة إلى حكاية خاصة. إذ حين يعود الحاكم إلى التدخل، بعد أن يقيّض له أن يفهم كل شيء، يعكف على حل المشكلات الداخلية من دون أن يأبه كثيراً بالحلول العامة التي كان يريد الوصول إليها. وهكذا، منذ البداية في هذه المسرحية، نلاحظ أنها تخرج عن إطار الأعمال الشكسبيرية المعتادة، وحتى وإن كانت تصنف بين الكوميديات التي كتبها شاعر الإنكليز الكبير، فإنها تعطى لقباً لا يشاركها فيه عادة إلا مسرحيتان أخريان من مسرحيات صاحب «هاملت» هما «إنما الأمور بخواتمها» و «ترويلوس وكريسيدا».. وهذا اللقب، والتصنيف هو «كوميديا درامياً ذات إشكالات مطروحة». وبهذا تصبح لها سمات أقرب إلى الجدية منها إلى الهزل، حتى وإن كان إطارها العام لا يخلو من المواقف الطريفة. مرة أخرى: أولسنا هنا أمام عمل يبدو منتمياً إلى عوالم «ألف ليلة وليلة»؟ مهما يكن لا بد من القول هنا إن شكسبير- وكعادته- استقى مسرحيته هذه من مصادر عدة ومتنوعة. وذلك بدءاً من العنوان المأخوذ من الكتاب المقدس- العهد الجديد، لا سيما كما عُبّر عنه في «انجيل متى». والموضوع نفسه مأخوذ من مسرحية كانت صدرت قبل شكسبير للكاتب ويتستون بعنوان «بروموس وكاسندرا»، وكان هذا اقتبسها من بين أعمال كاتب سابق عليه هو سنثيد، الذي سيستقي شكسبير منه بعد ذلك، مباشرة، موضوع مسرحيته «عطيل».

 

 

> وكالعادة هنا، لا يعود مهماً المصدر- أو المصادر الكثيرة- التي أخذ منها شكسبير موضوع مسرحيته. المهم هو ما الذي فعله بالموضوع؟ كيف استحوذ عليه؟ كيف وظفه في إطار أفكاره العامة، أو حتى في إطار مسرحه. ذلك أن «العين بالعين والسن بالسن»، حتى وإن كانت ذات بدايات غير شكسبيرية، فإنها في النهاية انضمت إلى متن عمل الرجل وصارت جزءاً منه. فعمّ تتحدث هذه المسرحية؟

 

 

> كما أشرنا في بداية هذا الكلام، تتحدث عن الدوق فنشنزيو حاكم فيينا الذي يلاحظ ذات يوم أن مدينته بلغت من الفساد ما لم يعد يحتمل. والسبب- كما يتبين له- هو إخفاقه في تعزيز قوانين الحكم، بل حتى في تطبيق ما هو موجود منها. وهكذا يعلن أنه سوف يرحل لمدة حيث سيزور بولندا، تاركاً حكم المدينة في عهدة نائب عرف بطهرانيته وموضوعيته في اتخاذ القرارات وتسيير الأمور، هو أنجيلو. كان فنشنزيو يأمل من أنجيلو هذا، بفضل استقامته ونزاهته اللتين يتحدث عنهما الجميع، أن يضبط الأمور والسلوكات العامة. وهكذا يعطيه الصلاحيات ويختفي. والحال أن أول حكم يتخذه أنجيلو سيكون الحكم بالموت على الشاب كلاوديو لأنه أغوى الصبية جولييت، وها هي حامل منه اليوم. وما أن يصدر الحكم حتى يسرع كلاوديو إلى إبلاغ الأمر إلى أخته إيزابيلا التي كانت انضمت إلى الدير حديثاً، متوسلاً إياها أن تتدخل لمصلحته لدى أنجيلو، كيلا ينتهي به الأمر إلى الموت إعداماً. في البداية تفهم إيزابيلا أن تدخلها يمكن أن يقتصر على الصلاة والتضرع من أجل شقيقها. ولكن حين تكتشف أن هذا لن يجديها نفعاً تتوجه إلى النائب- الحاكم أنجيلو طالبة منه الرأفة بشقيقها. وأمام أنجيلو تبدأ إيزابيلا من جديد بالتضرع والصلاة... لكنه يبقى- إزاء هذا- من صخر. غير أن ما يلينه بالتدريج سيكون شيئاً آخر: جمال إيزابيلا وجاذبيتها، إذ ها هو فجأة وعلى رغم صلابته وتقواه يحس بقدر كبير من الانجذاب إليها. وبالتالي يحدث في ثاني لقاء بينهما أن يجد نفسه وقد خرج كلياً عن تحفظه ليعرض عليها صفقة غير متوقعة: سوف يصفح عن شقيقها إن هي استجابت للرغبات التي ولدتها في أعماقه. تغضب إيزابيلا غضباً شديداً، وترفض العرض ثم تتوجه إلى السجن حيث شقيقها الذي يشعر الآن بإحباط كلي ويبدو في أول اللقاء مذعناً لفكرة أنه سيعدم لا محالة. لكنه، إذ تخبره إيزابيلا بما كان من إنجيلو في اللقاء الأخير، وهي تستشيط غضباً فاهمة أنه سوف يوافقها على رفضها القاطع، يشعر بشيء من الأمل يدب في أوصاله، ثم ها هو يتمسك بهذا الأمل الضئيل ولو كان معيباً قائلاً لشقيقته ما معناه أن أصعب الحيوات، وأكثر السجون إيلاماً، تظل لا شيء أمام الأهوال التي يعدنا بها الموت. إذاً؟ إذاً ماذا لو تقبل عرض أنجيلو فتنقذ شقيقها من الموت و «الله سوف يغفر لنا جميعاً بعد ذلك»؟

 

 

> في تلك الأثناء كان الدوق- الذي لم يسافر إلى بولندا بالطبع- يراقب كل شيء. وها هو الآن يفكر بطريقة ينقذ بها كلاوديو وإيزابيلا من براثن أنجيلو، ويعاقب بها هذا الأخير. وهكذا يطلب من إيزابيلا أن تعلن قبولها بالتوجه إلى بيت أنجيلو عند منتصف الليل. ثم يطلب من ماريانا- التي كانت مغرمة بأنجيلو أصلاً ورفضها هذا الأخير استجابة لمصالحه -، يطلب منها أن تتوجه إلى بيت حبيبها ليلاً بدلاً من إيزابيلا. تنجح الحيلة ويمضي أنجيلو ليلته مع ماريانا وهو يعتقد بأنها إيزابيلا، لكنه مع هذا لا يلين عراكاً في اليوم التالي، إذ يصر بعد كل شيء على أن ينفّذ حكم الإعدام بكلاوديو. وهنا يدبر الدوق حيلة جديدة، إذ يجعل رأس مجرم تقطع بدلاً من رأس كلاوديو، وتؤخذ إلى أنجيلو بعد الإعدام، على أساس أن الحكم قد نفّذ كما كان يتوخى. خلال ذلك كله كان الدوق يتنقل في زي قسيس من دون أن يعرفه أحد. أما الآن وقد وصلت اللعبة إلى ذروتها فها هو يعود إلى ثيابه الأصلية مدعياً أنه قد عاد من السفر في شكل مباغت لأسباب خاصة. وهكذا يستدعي ماريانا وإيزابيلا ليستمع إلى شكواهما ضد أنجيلو، لكن هذا ينكر كل ما تقولانه متهماً إياهما بالكذب الصريح. لكن الدوق يكشف كل شيء ما يربك أنجيلو تماماً ويجعله يذعن أمام رغبة ماريانا في الزواج منه. أما الدوق نفسه فإنه، إذ يكتشف حباً في أعماقه لإيزابيلا، يطلب يدها ويسامح شقيقها كلاوديو على فعلته.

 

 

> طبعاً في إمكان المرء أن يتصور موقف النقاد والدارسين من هذه المسرحية التي أحسوا دائماً بمقدار ما في أحداثها من افتعال، وبوفرة ما فيها من شخصيات تظل تزحم المسرح طوال الوقت، ناهيك بالسرعة المدهشة في حصول الأحداث وبروز المواقف والتغيرات. بل أن كثراً من النقاد رأوا أن المسرحية تفتقر إلى الحدود الدنيا من الأبعاد الأخلاقية والإنسانية، خصوصاً أن إيزابيلا، حين يرتب الدوق إعدام المجرم بدلاً من إعدام شقيقها، لم تُخبر بذلك ما يجعلها تفجع إذ تعتقد بان الرأس المقطوعة إنما هي رأس شقيقها. ومن ناحية ثانية أدهش النقاد دائماً أن تكون شخصية ماريانا هي الشخصية الإيجابية الوحيدة في المسرحية. ومع هذا كله، حين عرضت «العين بالعين والسن بالسن» للمرة الأولى في العام 1605(!) حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، ما جعل شكسبير يطالَب بأن يكتب مثلها. فإذا أضفنا إلى هذا النجاح السهل، واقع أن شاعر الروس الكبير بوشكين استوحى من هذه المسرحية قصيدة له جعل «أنجيلو» عنوانها وشخصيتها الرئيسة، يصبح من حقنا أن نتساءل عن سر هذا العمل الذي يبدو وللوهلة الأولى ساذجاً. ولنضف هنا أن ريتشارد فاغنر الموسيقي الألماني، كتب في العام 1834، أوبرا كوميدية مستوحاة من مسرحية شكسبير هذه بعنوان «الحب الممنوع» غيّر فيها مسار بعض الشخصيات والمواقف في شكل جعلها أكثر تماسكاً مما كان ويليام شكسبير قد فعل.

 

 

للكاتبTags not available
 

 
شريط الأخبار وزيرة النقل تتفقد مطار عمان المدني التعليم العالي: فرصة أخيرة لتسديد الرسوم الجامعية للطلبة الجدد حتى 5 تشرين الأول "الطاقة والمعادن" ترفض 4 طلبات تتعلق بقطاع النفط ومشتقاته بتوجيهات ملكية.. الأردن يرسل طائرة مساعدات ثانية إلى لبنان الملك يتابع عملية تجهيز مستشفى ميداني أردني للتوليد والخداج سيرسل لغزة قريبا كلاب ضالة تنهش طفلاً حتى الموت في مادبا الحنيفات : كل فرد في الأردن يهدر 101 كيلو من الطعام سنويا كانت "سليمة".. انتشال جثة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مجلس مفوضي هيئة الأوراق المالية يقرر الموافقة على تسجيل وإنفاذ نشرة إصدار صندوق استثمار مشترك مفتوح "النقل البري" تفقد صلاحية المركبات العمومية استعداداً لفصل الشتاء نقيب المجوهرات علان : يوضح سبب تراجع فاتورة الذهب المستورد اخطاء نحوية في تغريدة مهند مبيضين ..والجمهور "مين اضعف هو ولا المناهج" ميقاتي: ليس لنا خيار سوى الدبلوماسية الملخص اليومي لحركة تداول الأسهم في بورصة عمان لجلسة اليوم الاحد .. تفاصيل الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل نبيل قاووق القيادي البارز بحزب الله الاحتلال يؤكد اغتيال القيادي بحزب الله نبيل قاووق الغذاء والدواء توافق على تسجيل 63 صنفًا دوائيًا لتعزيز الأمن الدوائي مهم من الضمان حول توزيع مبالغ مالية التعليم العالي تعلن عن بدء تقديم طلبات القبول الموحد لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين قصة نجاح الطالب عنان عدنان رجب دادر من ذوي الاحتياجات الخاصة