أخبار البلد – سعد الفاعور
ما بين عامل الحسم العسكري الذي فرض ذاته على الجبهة بقيادة الجيش العربي السوري وحلفائه الإيرانيين والروس وحزب الله، وما بين حسابات الدبلوماسية، وتفاهمات السياسيين والترتيبات الإقليمية والدولية، أعلن عن انضاج صفقة إجلاء مسلحي داعش المدعومين خليجياً وتركيا وإسرائيلياً من الجرود اللبنانية بمحاذاة الحدود السورية.
ورغم أن المربع الأخير الذي تمركز به المسلحون لا يتجاوز 20 كم2، ورغم أن الحسم العسكري في ظل التفوق السوري الميداني وتفوق حزب الله وتفوق الطيران السوري والروسي، كان ممكناً، إلا أن تفاهمات اللحظة الأخيرة، التي تخللها تصريحات أميركية وإسرائيلية جعلت المشهد ينحو صوب إجلاء المسلحين لا القضاء عليهم، مع رافعة سورية عريضة، معلنة منذ ست سنوات خلت، وقاعدتها، المصالحة قبل الحسم ما أمكن ذلك.
وربما من أهم أسباب اضطرار حزب الله للموافقة على إجلاء إرهابيي داعش ونقلهم بحافلات تواكبها سيارات إسعاف، جملة من المتغيرات الإقليمية والدولية الضاغطة التي لا يمكن الفصل بين أبعادها، وبين التطورات الميدانية في أرض المعركة في سورية، والتي يمكن إجمالها بالأسباب التالية:
- تصريح وانتقاد السفيرة الأميركية في بيروت السبت الماضي والذي اعتبر بمثابة إعدام سياسي ومهني لقائد قوات "اليونيفيل" العاملة في لبنان، والذي تلقى ما يشبه صفعة أميركية قاسية ومفاجئة، في ظل انتقاد من السفيرة بل اتهام بأن القائد العسكري الأممي الذي يعتمر قبعته الزرقاء، لا يقوم بواجبه في مراقبة حزب الله وتدفق السلاح إليه، في تذكير لقائد اليونيفيل بأنه يتبع للإدارة الأميركية، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنه يعمل مستقلاً عن دائرة النفوذ الأميركي.
حزب الله استشعر الخطر، وأحسن قراءة التصريح أو التهديد الأميركي، فلا يمكن للحزب خوض معركة مع إسرائيل وظهره مكشوف. صحيح أن الحزب خاض معارك سابقة مع إسرائيل وظهره مكشوف سياسيا، لكن خصومه السياسيين آنذاك لم يكونوا يملكون عصابات مسلحة مثل أولئك الذين كانوا بالجرود، لذلك وحتى يخوض أي معركة أو مواجهة مقبلة مع إسرائيل فعليه التأكد من عدم وجود قوة مسلحة قد تنقض عليه من الخلف لمشاغلته أو لطعنه.
- تصريح السفيرة الأمريكية في اليوم التالي (الأحد) الماضي والذي انتقدت فيه الجيش اللبناني الذي ظهرت عملياته ضد دواعش الجرود وكأنها تتم بتنسيق مع حزب الله ومع الجيش السوري، دفع بقائد الجيش اللبناني للتصريح بأن الجيش يخوض معركته وحيدا ودون تنسيق مع أحد. في اليوم التالي (الاثنين) أعلن الجيش اللبناني وقف عمليته العسكرية.
- دخول النتن ياهو على خط الأزمة وتلويحه باستهداف العمق السوري. أي إعادة خلط الأوراق وشحن إرهابيي الجرود ورفع معنوياتهم، أي تجدد القتال وإسقاط اتفاق التهدئة وخفض التوتر، شكل مأزقاً إضافياً، وكان لا بدّ للحزب وأن يتعاطى معه، بطريقة لا تسمح لبقاء المسلحين ثغرة في الخاصرة اللبنانية، أو خنجراً مشهراً لطعن المقاومة في ظهرها عند أي منازلة مع إسرائيل.
الخلاصة، ما جرى يمكن وصفه بالصفقة التي راعت حسابات محلية وإقليمية ودولية، أكثر منه نصرا عسكريا حاسما. خاصة أن الدولة السورية مؤمنة بخيار المصالحة قبل الحسم متى ما أمكن ذلك.