أسوء ما مني به الأردن في خضم هذه المرحلة الإقليمية الملتبسة، والمليئة بالتحديات أن تناط المسؤولية الأولى في إدارة البلاد بهذه الحكومة التي لا تفقه من روح المسؤولية التاريخية شيئا ، وهي ليست سوى تكرار ممل لنمطية الحكومات المتعاقبة التي تمضي الوقت دون انجازات تذكر، بل وتعمد إلى زيادة منسوب الشكوى والاحتقان الوطني، ولا تترك أثرا حقيقيا في حياة شعبها، وتأتي وتذهب والقضايا هي ذات القضايا، ومكامن الخلل باقية ، والإنسان الأردني عرضة للتطرف بسبب تراكم الأزمات، وسوء الأحوال المعيشية، وانفصال الطبقة عن معاناة الفقراء، وتفهم احتياجاتهم الملحة في هذه الحياة.
وقد درجت هذه الحكومة منذ يومها الأول على عدم الاكتراث بخطورة الأوضاع الداخلية المتأثرة بالوضع الإقليمي ، و لولا الروافع المتمثلة بالقصر والتي عملت على الترقيع من خلفها لكانت عاجزة تماما عن معالجة أزمات الداخل ، إن لم تكن هي أزمة بحد ذاتها، وتحولت في كثير من سياساتها المحبطة إلى صاعق تفجير شعبي أيضا.
وهي حكومة عادية تأتي في مرحلة استثنائية، وتضفي مزيد من عوامل التوتير على الداخل على خلفية مواصلتها سياسية الحكومات السابقة التي تمضي مددها الدستورية في اختزال الأردن في إطار الصالونات السياسية ، وتخلي مسؤوليتها عن شعب يترامى خلف عمان ، وقد مكنت الظروف الإقليمية من إدخاله إلى حيز التأثير السياسي، وبات من الضرورة أدراجه في صميم السياسة، والخطط الحكومية لتحقيق النجاح، والحفاظ على الاستقرار. فهذا الشعب الذي لم تؤطره الحكومة، واكتفت بمحاورة النخبة التقليدية في عمان أصبح في حالة غليان، ولم يعد يقبل بدور النظاره في مسرح اللعبة السياسية المدارة وطنيا لمصلحة الطبقة السياسية بتبايناتها المختلفة.
وقد اخطأ البخيت منذ اليوم الأول في الوصول إلى عناوين الشارع، وراح يلاحق بعض تجليات الحياة الحزبية في عمان، وأهمل ممثلي الشارع السياسي الحقيقيين، وتجاوز طبيعة المجتمع الأردني، وقواه الاجتماعية، وتمكن من تحويل أجزاء كبيرة من خط الموالاة إلى خصوم جدد للسياسات على خلفية الإهمال، ولم يربح بدوره المعارضة التقليدية التي واصلت تشكيكها في قدرته على تحمل أعباء المرحلة، ومست برموز الوطن، وفي سياق هذه المرحلة تحركت المجاميع على شكل معارضة مستجدة، وانصهرت في مظاهر متطورة من التعبيرات الشعبية، وربما أن بعض وجوه، وقادة الموالاة التقليدية أصبحوا يقودون الحراك المعارض بسبب عدم قدرة الحكومة على الاحتفاظ بهذا الخط الذي حفظ استقرار المملكة، وضمن هدوء الساحة المحلية لعقود خلت.
هذه الحكومة فشلت في إقناع الأردنيين بجدواها، وإنها جادة في التعامل مع متطلبات المرحلة، وان أولويات الحراك الشعبي ستجد سبيلها للتنفيذ، وبات يؤثر عجزها على الحياة العامة، وبدأ الأردن يشهد حالة مما يشبه الانفلات، وذلك مردة إلى عدم الثقة باجراءتها، والمصيبة أنها تضع الأردن على حافة طريق مجهول بكل بساطة، ولا تكاد تستشعر خطورة الوضع لتنتقل إلى الميدان، وتعمل على فككة الأزمات، ولم يتمكن هذا الرئيس من تغير شي في الإدارة، ولم يفتح جسرا مع الشعب، ولم ينق الحياة العامة من الشوائب، وحتى القضايا اليومية في المحافظات فتبقى عالقة، ولا تجد لها حلا ممكنا مهما كان بسيطا.
وقد انتقلت المعارضة التقليدية كي تصبح في طور الأكثر قدرة على التغيير، وتمكنت من أن تطرح قياداتها كأساتذة في الديمقراطية، وهي تضخ دعاية شعبية ناجحة عن فساد السلطة، ورجالات الحكم قابلتها ظروف العجز الحكومي فأصبحت بهيئاتها المغرقة في البعد عن روح العصر أكثر تقدمية من رجالات الحكم، وأنقى في طرحها العام من الحكومات حيث ظهرت المسيرة السياسية وكأنها مغرقة بالتخلف، وصارت المعارضة اقرب إلى نبض الشارع، وقضاياه من المستوى السياسي الأول، وهكذا تم خسران الشارع، وتقوضت هيبة المؤسسات، وحدث أن استهدفت أكثر المؤسسات رمزية بالنقد.
والرئيس البخيت سبق، وأن وضع على محك التجربة، وكانت ظروفه في الحكم أفضل آنذاك، ولم يحقق سوى الفشل الذريع، وعجز عن مواجهة متطلبات مرحلة اقل خطورة مما يتبدى في هذا الأوان، وربما أن المصلحة الوطنية كانت تقتضي عدم تضييع الوقت الثمين مع حكومة بمواصفات عادية في أجواء داخلية بالغة الخطورة مما يقتضي سريعا إنهاء خدمات هذا الرئيس ، ليخلي دفة السلطة لمن هو أكثر كفاءة في إدارة شؤون البلاد، والعباد.