الرسميون مطمئنون لما يجري في محافظات الجنوب، وأظن أن الأمر لا يخلو هنا من قصور واضح في النظر، فما يجري على ارض الجنوب ليس بالتطور الدائري غير التصاعدي كما يظن الرسميون وظلالهم الأمنية.
غضب المحافظات لم يأت من فراغ، ومآلاته لن تنتهي قطعا إلى فراغ، فالجنوب كان على الدوام يمثل ردارا استشعاريا يطلق موجاته الاعتراضية بمجرد إحساسه بان الدولة قد ضعفت أو أن المجتمع قد ضعف.
المحافظات التي ترفع اليوم صور «وصفي التل»، و»هزاع المجالي»، تعلنها واضحة، بان الشخصية الرسمية الوطنية تعاني وتفتقر اليوم لمن هم أهل لها.
يتوق الناس ويريدون ويغضبون من اجل رئيس وزراء تفتتت أمامه الولاية العامة، وأصبح نهبا لأوامر هذا وذاك من سياسيين وأمنيين.
المحافظات لا تغضب بسبب الفقر، وإن كان الفقر عاملا مساعدا وكاشفا لحقيقة ما وصل له الوطن، لكن الغضب هو بسبب الإفقار وفشل مشاريع التنمية وتردي الإدارة وحصر مكتسبات المحافظات في نخبها قاطنة عمان الراقية.
نعم الحفر عميقا وواسعا في غضب الأردنيين سيكشف الحالة السياسية الرثة التي وصلنا إليها، كما أن نزعة الدقة في الوصف والفهم والمصارحة مطلوبة بجدارة اليوم كي نتمكن من تجاوز أزمتنا الراهنة.
حين تتخلى الدولة عن مواطنيها، وتصنع ذلك الهامش بين بنيتها الاجتماعية وبين المؤسسات، حين يصبح الأمن حاكما، والفساد مرعيا، والمؤسسات الدستورية في غيبوبة. بعد ذلك ماذا تتوقع الدولة، إلى متى الصمت، وهل يملك مثل الأردنيين صمتا على منجزات تهدر بعبث وغطاء.
لقد امتازت الجموع الخارجة في الجنوب منذ جمعات مضت بأنها شعبية في الأساس، وملقحة بنخب تسير معها لا بها، وهذا الوصف الذي اكتسبه الحراك الجنوبي ينذر بان الثمار لن يتم الالتفاف عليها بسهولة ما جرى في عمان.
ما يجب أن يفهمه أصحاب القرار، أنهم وبسبب ما أوصلوا إليه الوطن من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، وبسبب متواليات الفساد التي لطخت ثيابهم، لا يملكون إلا التصالح مع الحراك والاستماع له وفتح السياسة لمشاركة أبناء الوطن جميعا.
ثمة تيار رسمي يسخف أي حراك شعبي، ويظن أنه قادر على إطفاء جذوته، نقول لهؤلاء إنكم مخطئون، فبنية التهالك التي يعيشها مشهدنا لن تسمح بمرور رهاناتكم.
عمر عياصره يكتب: لماذا تغضب المحافظات؟
أخبار البلد -