د. محمود عبابنه
تتنامى في الآونة الأخيرة ظاهرة الدعاوى القضائية الكيدية التي تسجل للانتقام والتبلي والابتزاز، وتتراوح بين قضايا المشاجرات والخلافات المالية والشتم والتحقير، أما قضايا المشاجرات الكيدية فمعروفة منذ زمن طويل، حيث يتسابق المتشاجرون فيها على الحصول على تقرير طبي من أي طبيب والإقامة في مستشفيات خاصة للإضرار بالخصم الذي يقبع خلف القضبان، والذي يضطر، لافتداء نفسه والخروج من السجن أو من نظارة المحكمة، والمصالحة والتنازل عن حقه أو جزء منه، إلا أن الظاهرة المتزايدة والأخطر هي فبركة قضايا الاحتيال على المستثمرين والأجانب، فالحكايات تروى عن مكائد يحبكها وللأسف خبراء على دراية بالقانون، حتى أن بعضهم يتفاخر بقدرته على توقيف أي شخص أجنبي مقيم أو غير مقيم في المملكة، حيث تتكرر حالات إلقاء القبض على الضحية في المطار بحجة أنه مطلوب للقضاء، رغم أن القانون ينص على تسطير الإحضار على عنوان إقامة المشتكى عليه، قبل التعميم وإلقاء القبض عليه إلا أن إبداع خبراء اللف والدوران القانوني تفتقت عن اتباع آلية بموجبها يقومون بنسج قضية احتيال وهمية ويختارون عنوانا وهمياً لتبليغ المشتكى عليه، فتعود المشروحات تفيد بعدم العثور عليه، وبناءً على ذلك يطلب وكيل المشتكي الأجنبي تسطير مذكرة لإلقاء القبض على المشتكى عليه الأجنبي في مطار عمان، ووجه الغرابة في الموضوع أن مسرح وقائع الاحتيال أو إساءة الائتمان المزعومة سواء كانت وهمية أم حقيقية هو خارج نطاق الصلاحية الإقليمية الأردنية، إلا أن عبارة عدم العثور على المشتكى عليه الأجنبي هي التي تحشر القضاء الأردني وتقود إلى إصدار مذكرة القبض، وتكبيل الأجنبي القادم إلى الأردن لحضور مؤتمر أو لزيارة قريب له أو للإقامة لبضعة أيام ودراسة الوضع الاستثماري في الأردن، فما أن تحط أرجله على أرض المطار حتى يساق إلى سعادة المدعي العام الذي يأمر بتوقيفه على ذمة التحقيق ومن ثم إلى المحكمة، وهات جلسات ومحامين ومصاريف وإجراءات إخلاء بالكفالة.
حصل هذا لعدة مستثمرين وأشخاص غير مقيمين في الأردن، واستغل بعض الموتورين من الجاليات المقيمة في الأردن هذه البدعة للانتقام والابتزاز من أبناء جنسيتهم على أرض الأردن، فالقصة قد تحصل في بغداد أو صنعاء أو أمريكا، ويزج القضاء الأردني للنظر بنزاع لا ناقة لنا فيه ولا جمل.
والسؤال: كيف لنا أن نحد من حجم القضايا الكيدية، التي يكون أول الخاسرين فيها بالإضافة إلى الضحية هو القضاء لأنها تهدر وقت المحاكم وتؤثر سلباً على طاقتها وعلى سير العدالة في قضايا أخرى؟.
مما لا شك فيه أنه يمكن وضع حد لأي ظاهرة سلبية، إذا توفرت النية والإرادة ومن خلال ترشيد إجراءات التبليغ بحيث لا يجب أن يكتفى بعبارة «بعد البحث والتحري أعيد المذكرة لعدم العثور على المشتكى عليه»، فعلى المحضر أن يدون فيما إذا وجد العنوان الوهمي ورقم العمارة وفيما إذا كان يسكنها المشتكى عليه أم لا وتدوين هذه المعلومة قبل أن يدون عبارة عدم العثور عليه، أما الترشيد الأهم فيجب أن يكون بالتروي قبل إصدار أوامر التوقيف سيما إذا كان الطرفان (المشتكي والمشتكى عليه) من الأجانب، ووقائع القضية وظروفها تمت خارج البلاد، ومؤشر الاستشعار للمدعي العام أو القاضي هو العنوان الوهمي وعبارة عدم العثور عليه، إن ذلك لا يمنع قاضي التحقيق من اتخاذ القرار بإقفال التحقيق ومنع المحاكمة وليس الإحالة الأوتوماتيكية إلى المحكمة. ومن جهة أخرى فلا يجب أن نعدم البدائل فعوضاً عن التوقيف، يمكن حجز جواز السفر لمنع المشتكى عليه من المغادرة، أو تقديم الكفالة العدلية أو المالية أو وضع إسوارة التعقب التي هللت لها وزارة العدل في الصحف أكثر من مرة، فهل تم تفعيلها!؟.
إن ازدياد الدعاوى الكيدية مؤشر خطير على المجتمع والدولة، ويتطلب وقفة قانونية للحد منها ومن حالات الاختناق القضائي وتهجير الراغبين بالاستثمار الذين أقسم أحدهم أمامي بعد أن أنصفه القضاء الأردني في أعقاب توقيف ومرمرة وبهدلة لمدة خمسة أيام بأنه لن يعود إلى الأردن.