ولما ثائرة عَطَشي ثارت وصار السراب يتراءى لي ماءً، عَذباً، زُلالا، لا أمَلَ لي في الوصول إليه إلا بعد صلاة، رُحت أتيَمّم قَبلَها بِطِين القيعان الذي كان تُراباً عَطِشا لكن الغيمة التي أشفَقَت سَقَتهُ ولم تَحفَل بعطش رفيقتي، وعَطَشي.
صاحبتي الصبورة البيضاء حَد بياض العين، واصلت سيرها الحثيث وأنا أواصل السجود لأضمّخََ جبهتي بِحنّاء الطين الذي داست عليه مُواصلةً مِشيتها الرزينة، الواثقة كأميرة تَجول داخل رُدُهات، ودهاليز قصرها الفسيح الذي حَفِظَت مَمَرّاته، وأبوابه مُذ سَقَط رأسها بين جُدرانه ذات مُنتصف ليل حينما اشتد طَلْقُ الإنجاب على رَحم أمها بعد زواجها الأول.
صاحبتي البيضاء ذاتَ عيون ألمَها، لعلّ أمّها تتذكر أنها وأثناء وِحامِها قد شاهدت عيون المَها فأغرِمَت بها، ما أغراها لتسلب منها نَصاعة البياض، وحُلكَة البؤبؤ، و انتفاخ الجفون المُحبّب، وطول الأهداب المصقولة كرماح رؤوسها من خيوط الشمس. صاحبتي البيضاء، وبعد أن شاهدتني أطيل في الصلاة، وأكرّر السَجدات، وأمعِن في تخضيب جبهتي بحنّاء وَحل الأرض، صارت تَتراخى بمشيتها مُظهرةً دَلالاً يَنُمُّ عن صِدق قلبها بمصاحبتي. تلك الناقة البيضاء صاحبتي ما هانَ لها أن تَشرَب من ماء الغَدير الذي كُنّا نَقصده مَعاً قبلَ أن تُسقني من بياض ضَرعها لأروي به عَطَشي.