هذه الخريطة المتشظية لليمن، تضيف الى المشهد الدموي والخراب العميم المنتشر في اليمن افقياً وعامودياً، مزيداً من الكوارث والفوضى وتدفع لطرح المزيد من الاسئلة حول «سر» اختفاء اسم وجهود المبعوث الأممي الخاص لليمن، اسماعيل ولد الشيخ احمد، بعد أن فشلت مفاوضات «بيل» السويسرية التي جرت الشهر الماضي، وغياب اي افق او معلومات حول امكانية استئنافها، بعد ان تراشق الطرفان الاتهامات وحَمّل كل منهما الطرف الآخر مسؤولية عدم استئنافها ورفض التزام ما تم الاتفاق عليه (..) وخصوصاً تطبيق قرار مجلس الأمن العتيد رقم 2216, الذي لا يذهب وفد الرئيس هادي الى المفاوضات إلاّ الى تطبيقه «فوراً» ودون نقاش, فيما الوفد المُشترك المُكوّن من جماعة انصار الله (الحوثيون) وانصار علي عبدالله صالح، يشترطون وقف اطلاق النار وخصوصاً غارات التحالف الجوي قبل اي اجراءات اخرى.
وإذ لم يتردد وزير الخارجية في حكومة خالد بحاح، عبدالله المخلافي في اخر تصريح له قبل يومين,في اتهام وفد الانقلابيين (على ما يوصفون في إعلام الرئيس هادي وأدبياته) بعرقلة انجاز اي خطوات باتجاه التسوية خلال المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة، فإن عضو المكتب السياسي لجماعة انصار الله محمد البخيتي من جهته, اعلن رفض جماعته القاطع, ان يكون الرئيس عبدربه منصور هادي, طرفاً في الحوار او الحل. ما يعني عودة سريعة الى المربع الاول ورهانا من الطرفين على الحل العسكري, الذي يبدو وبعد عشرة اشهر تماماً على بدء غارات التحالف على اليمن (26 اذار 2015) غير مُتاح لأحدهما, مهما قيل في وسائل الاعلام, ومهما بنى اي طرف منهما, من آمال على انجاز عسكري متواضع هنا او هناك, وبخاصة في ظل التمدد المُبرمج والهادئ والمستفيد من انخراط الطرفين في صراع «عدمي» كهذا, الذي يحققه تنظيم «القاعدة» ميدانياً, بعد أن انجز سيطرته الكاملة على محافظة حضرموت بل أقام «إمارته»الاسلامية في عاصمتها «المُكلاّ» فارضاً قوانينه ومُتحكِماً بتفاصيل الحياة اليومية لابنائها, على نحو يفوق ممارسات داعش واساليبه القهرية وفتاواه التكفيرية الفظيعة.
ليس مُهماً, والحال هذه, لدى طرفي النزاع–وفي ما يبدو – الاثار الكارثية المُترتبة على تحويل اليمن وبخاصة «جنوبه» الذي حَلًمَ ـ ذات يوم ــ المُنضوون تحت ما عُرِف بـِ»الحراك الجنوبي» بفك الارتباط مع الشمال والعودة الى ما قبل «الوحدة» التي لم تصمد ولم يأخذها علي عبدالله صالح في 22 ايار 1991, مآخذ الجد أو يتعاطى معه بأفق اخوي, بل اعتبرها «غنيمة» واستسلاماً من الاشقاء في الجنوب, فأمعن فيه قسوة ونهباً وتمييزاً الى ان «تَمَرّد» الجنوبيون على احتلال «وحدوي» كهذا, فأعمل فيهم لهيب المدافع واشعل النيران في «بلدهم» واجبرهم على القبول بمشروعه الاستبدادي الذي أخذ اليمن الى هذا الواقع المأساوي.
لن يغفر التاريخ لطرفي الصراع اليمني ومَنْ سانَدَهُما, صمتهم المُريب ازاء تمدد القاعدة السرطاني في جنوب اليمن, وخصوصاً اذا ما تواصلت معاركهم التي تُراوِح مكانها جغرافياً وميدانياً, لكنها بالمقابل تحصد المزيد من الارواح وتسفك دماء اليمنيين وتُحوِل بلادهم الفقيرة الى خرائب واطلال وتعيدهم بالفعل الى العصر الحجري, فيما تبدو الاهداف التي يرومون تحقيقها وضيعة ومُتهافِتة, مقارنة بالاكلاف والاثمان التي دفعها اليمنيون ويدفعونها من لحمهم الحي ومن مستقبلِهم ومصير وطنِهم.