ما علينا..
يمضي الخامس والعشرون من كانون الثاني (اليوم) دون ان تلوح في الافق اي امكانية لمعرفة الموعد التالي الذي سيلتقي فيه مفاوضو الحكومة السورية الشرعية مع ممثلي المعارضات السورية, سواء المُصَنّع منها والمُفتعل أم ذلك الذي يمكن الاعتراف به والاقرار أنه معارض وطني صاحب برنامج ورؤية سياسية, ليس بالضرورة ان تلتقي مع رؤية النظام في دمشق (وإلاّ كيف يمكن وصفه بالمعارض اصلاً؟) لكنه يرفض ان تكون بلاده ملعباً لعواصم اقليمية ودولية, تريد التحكم بمصير الدولة والشعب السوريين, وترتهنهما لمخططاتها ومصالحها الاستراتيجية ودائماً في اراحة اسرائيل واعتبارها جارة وحليفاً محتملاً, بعد أن تصدعت الخرائط وانهارت التحالفات وأعاد الجميع في المنطقة وبخاصة في بلاد العرب, تعريف العدو وعنوان الصراع كي يغدو طائفياً ومذهبياً وكي تُقرع طبول الحرب الجديدة وتُرفع راياتها, لتكتشف الشعوب العربية ان حربنا «الوجودية» لم تعد مع اسرائيل والصهيونية العالمية, بل هي سنيّة – شيعية حصراً.. وبامتياز.
لا قداسة للمواعيد اذاً, وما تزال معارضة إئتلاف اسطنبول التي وُضِعَ على رأسها رياض حجاب وجيء بأسعد الزعبي ومحمد علوش (ثلاثتهم لمناكفة النظام وليس لادارة مفاوضات او التسريع بوضع الازمة نهائياً على مسار سياسي) ترفض الاعتراف بأن ثمة تشكيلات وهيئات وشخصيات تقف في صف المعارضة غير المُصَنّعة, كما هي حال كثير ممن التقوا في الرياض الشهر الماضي, وتُصّر على أن لا احد يحمل هذه الصفة الا هي وتُهدِّد (لفرط ساذجتها السياسية) بعدم الحضور في حال اضافة أي اسم آخر, ظناً منها أنها قادرة على وقف عجلة المفاوضات, عاجزة في الان ذاته, عن قراءة المتغيرات وفهم أبعاد ما يحدث في ميادين المعركة الآخذة بالتحول النوعي كما حدث عند سقوط سلمى ويوم امس ربيعة وتنظيف جبلي الاكراد والتركمان من كل المجموعات الارهابية فيما يقترب الجيش العربي السوري من الحدود السورية التركية, وما يعنيه أن مدينة الباب الحدودية(ريف حلب الشرقي) قد باتت قاب قوسين أو ادنى من السقوط.
ليس مفاجئاً والحال هذه, أن يجأر منذر ماخوس - سفير ما يسمى الائتلاف في باريس - بالشكوى من «التراجُع المُخيف» في الموقف الاميركي, وينقل عن جون كيري قوله: أن «الاتفاق في سوريا لن يتم سوى بالاتفاق على حكومة وحدة وطنية» ثم يُنسَبُ لاحقاً لرياض حجاب أن كيري نفسه قال له في ما يشبه التحذير: إن عليهم «أن يذهبوا الى جنيف ضمن الشروط المعروضة عليهم, وإلا فسيخسروا دعم حلفائهم».
تصوير الامر من قبل هؤلاء وكأنهم ضحايا للضغوط, يستهدف بالدرجة الاولى التغطية على تراجعهم عن تشددهم»الشكلي بالطبع», لأن ليس لديهم من «الاوراق» ما يجعل منهم «رقماً صعباً», رغم الدعم الذي تبديه لهم عواصم اقليمية تستشعر خسارة تشملها, اذا ما نجحت المفاوضات السياسية التي باتت خياراً وحيداً, لا تملك العواصم التي دعمت الحرب على سوريا غيره, للاستمرار في حربها على الشعب السوري ودولته, فضلاً عن أن ما باتت تُعرَف بمعارضة القاهرة وموسكو والقامشلي, لها حضور ميداني وسياسي واعتراف من دول عديدة – بينها دول غربية – تُصّر على أن تكون مُمَثَلَة في أي مؤتمر يستهدف وضع حد لمعاناة السوريين.
..الايام المُقبلة تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت, وفيها خصوصاً من التراجعات والانتكاسات لكثير من اصحاب الرؤوس الحامية ,الذين تَوَهّموا انهم قادة الشعب السوري ونُخبه في المرحلة المقبلة, لكنهم سيكتشفون لاحقاً, أنهم ليسوا سوى كومبارس أو بيادق في لعبة دولية واقليمية أكبر منهم - ومن اوهامهم - بكثير.. فَلَيَنْتظِروا.