ومع احتدام الصراع على الهوية القُطرية , نشأت مجموعات سياسية تبحث عن تعريف اردني لدولة قُطرية , في استنساخ لظاهرة تغزو العقلية العربية , فالدولة القُطرية ترّسخت وسايكس – بيكو باتت امرا واقعا وعلى الاردن الاستجابة لهذا التطور الموضوعي , وتطرّفت بعض العقول في تحميل مفهوم دولة الثورة نتائج تراجع التنمية وخفوت الديمقراطية وتراجع الحالة الاقتصادية بعد ان إحتمل الاردن طوال عقود هجرات جماعية تعجز دول عظمى عن حمل هذه الاعباء , دون قراءة موضوعية لاثر الهجرات الايجابية على نمو الدولة وتطورها وعلى تكريس مفهوم السماحة والتسامح بوصفه المفهوم الابرز في ديمومة الدولة وصلابتها وتجاوزها لكل حرائق الاقليم وانعطافاته وانكساراته فثمة دولة عميقة راسخة دون تأويل سلبي لمعنى الدولة العميقة .
مرحلة الربيع العربي وما قبلها – موجة اللجوء الحديثة في عام 1990 - شهدت تفاعلا اردنيا مختلفا مع موجات اللجوء , حيث بدأت تظهر الململة الشعبية من انعكاسات هذه الموجات على مستوى المعيشة وعلى كلفة الحياة في الاردن , ورغم ان هجرة حرب الخليج الثانية بعد احتلال الكويت كانت عودة مواطنين الى بلدهم وليست دفعة لجوء جديدة , الا انها رسّخت اول انقلاب مفاهيمي حيال اللجوء , فالاسعار ارتفعت على كل المستويات ولكن تلك العودة انعكست ايجابا على السلوك الاقتصادي واثرت الحالة الاردنية اقتصاديا ومهنيا فتسارعت وتيرة النمو خصوصا بعد وصول دفعات التعويضات للاردنيين العائدين من الكويت حيث انعكست تلك التعويضات استثمارات متوسطة في معظم محافظات المملكة الكبرى وخصوصا الزرقاء واربد وعمان وظلّ بعض السيياسيين يستثمرون فيها كموجة لجوء لغايات ذاتية وموضوعية كشفتها نمطية قانون الانتخاب في العام 1993 ودخول الصوت الواحد الى الحياة السياسية الاردنية .
الربيع العربي او ما تمت تسميته بذلك , حقق المراد لانصار الدولة القُطرية , الذين سبق وان تفاعلوا مع اللجوء العراقي بغرائبية فيي العام 2003 , حيث فتحوا كل ابواب التسهيلات لهم ومعاملتهم بتوطينية واضحة من حيث السخاء في التجنيس وتسهيل الاقامة وادخالهم في سوق العمل والاستثمار وحدثت الطفرة الثانية اقتصاديا بقدوم العراقيين , لكن انصار الدولة القُطرية تراجعوا عن سماحتهم في ظاهرة اللجوء السوري الكثيفة والتي وفرّت مزاجا شعبيا قابلا للتغير النوعي في مفهوم اللجوء ومفهوم دولة الثورة وتسارعت وتيرة المطالب بالدولة القطرية وتعزيزها اجرائيا وقانونيا دون الالتفات الى ان اللجوء السوري بقي بعيدا عن المضايقات وتحولت تلك التضييقات الى لاجئين مستقرين في المملكة منذ نصف قرن تقريبا وهنا مكمن الغرائبية والعجائبية وهنا تحضر الاسئلة القلقة التي تنثرها اوساط سياسية تحترف اشعال الحرائق السياسية وتستثمر فيها خير استثمار وعلى الدولة ان تمتلك اللغة الفصحى كعادتها في اسكات تلك الاصوات والدفاع عن نهجها ومنهجها التسامحي واستعراض وتثبيت اثار هذه السماحة في العقل الشعبي والوجدان الوطني وعدم السماح بإستثمار اللحظة لوضع اللاجئين جميعهم في سلة واحدة او ايجاد مناخ يقبل عقلية الاستئصال بدل عقلية التأصيل السائدة منذ بواكير الدولة .