أخبار البلد- ابراهيم عبد المجيد القيسي
قبل أيام كتبت في هذه الزاوية مقالة عن «استغلال السياح»، ذكرت فيها بعض المعلومات عن قطاع يعاني فلتانا تشريعيا، ويتم استغلاله من قبل فئات ما، لم أذكرها جميعا في تلك المقالة، لكن ملاحظات كثيرة وصلتني من المهتمين والمشتغلين في هذا القطاع، يطالبوني بتوضيح الصورة بالتحدث عن فئات أخرى، تستغل السياح وتدير ما يشبه الحروب الصامتة حول «سلعة» اسمها السائح..
لعل من بين هذه الفئات عمال وموظفون في الفنادق الكبيرة، يدشنون استثمارات في السياحة بلا كلفة تذكر، من خلال اتفاقيات شخصية مع مكاتب سياحة وتأجير سيارات ومرافق خدمة سياحية أخرى، ويحاربون أصحاب وسائقي التاكسي «الأصفر»، باحتكار خدمة التوصيل والتسويح على مكاتب سيارات سياحية مقابل أجر مرتفع، يدفعه السائح، وتكون حصة الأسد لموظف الفندق الخمس نجوم، الذي يعمل في الاستقبال أو في الوظائف الخدمية الأخرى التي توفر احتكاكا مباشرا مع السائح..
هل نتحدث عن تقصير من قبل وزارة السياحة وهيئة تنشيطها؟! قبل سنوات حضرت ندوة تحدث فيه استراتيجيون سياحيون، ولا أعلم إن كان لدينا مثلهم فعلا، دفعوا مئات الآلاف لأحد الكتاب الصحفيين الأجانب، واستضافوه ليعود الى اوروبا ويكتب عن الأردن، ولا أعتقد أن ال»طبخة جابت همها»، لكنني أذكر أن تلك الشخصية دافعت باستماتة عن هذا العمل العبقري..
أين العبقرية؟! بل أين جهودكم المناسبة في استقطاب السياحة الأوروبية خصوصا الروسية منها؟ هل تتأهبون لفزعة مماثلة بنتائج مماثلة؟ أم تنتظرون قرارا سياسيا مثلا، يقوم الروس من خلاله بتقديم «استدعاء» وواسطات لتتكرم عليهم وزارة السياحة الأردنية وهيئة تنشيطها، لتسهيل الطرق أمام السياحة الروسية؟..
تتقافز بعض الأخبار على هيئة أمنيات، بأن يتم استقطاب عشرات بل مئات الآلاف من السياح الروس وغيرهم، بعد أن توقفت هذه الأعداد عن زيارة تركيا ومصر، لكن لا نشاهد أو نسمع عن جهود رسمية في هذا المجال، ولا نسمع كذلك عن جسور جوية تم تدشينها لاستقبالهم أو اغرائهم بالقدوم الى الأردن، ويبدو أن مثل هذه الخطوة تتطلب عصفا ذهنيا و»طبخات» عبقرية للتحرك وتنشيط هذا المجال، باستغلال الظروف السياسية السائدة في المنطقة.. بينما تقوم جلالة الملكة رانيا العبدالله بترويج البترا بجهد مجاني وبحركة بسيطة وفي وقت قياسي، وتقدم معلومة عن هذه المدينة الأردنية الأثرية العجيبة لعشرات الملايين حول العالم !.
قارنوا بين الجهدين والصورتين وتساءلوا معي عن الجهات الحكومية المختصة بالسياحة وعن رواتبهم ومكاتبهم ونفقاتهم «الطرما». لست خبيرا سياحيا، لكنني صحفي ولدي بعض المعلومات تتعلق بعزوف السياح عن زيارة الأردن، وأغلب هذه المعلومات تتعلق بتقصير رسمي، على هيئة «جعصة» وقصور تشريعي، ذكرنا منه «الفلتان» مثلا، ونذكر منه كذلك ارتفاع أسعار فنادقنا ومطاعمنا، مقارنة مع فنادق شرم الشيخ مثلا، أو الفنادق التركية، فاستئجار غرفة واحدة في بعض فنادقنا، يكلف السائح مبلغا، يكفيه للاقامة 3 أو 4 ليال في الفنادق المصرية والتركية، علاوة على الاتجار بالسياح من قبل بعض الموظفين والعاملين في مرافق السياحة بخاصة الفنادق الكبيرة، وبعض أصحاب المكاتب السياحية وبعض سائقي التاكسي.. وكلها تقع ضمن اختصاص وزارة السياحة، لكن العبقرية تتلاشى حين نتحدث عن مثل هذه التحديات، الى الدرجة التي تجعلنا نتشكك في النوايا..
الاستقرار والأمن الذي توفره الشرطة السياحية للسائح، يبدو قفزة في الهواء، فهي الجهة الوحيدة التي تقوم بواجبها وتقدم كل التسهيلات للسياح، بينما ينهمك التجار بجمع الأموال منهم، والوزارة تفزع وتجعجع ولا نرى سياحا بالأعداد المتوقعة..
أين جهودكم يا شباب؟ وأين حزمكم وتعليماتكم وقوانينكم؟ وأين إبداعاتكم بتحقيق المصلحة الوطنية المتأتية من استغلالكم لما يدور حولنا؟..كيف تفهمون الجهد والنتائج القياسية التي حققتها الملكة رانيا العبدالله في تسويق البترا في مثل هذا الظرف الاستثنائي؟! سأذكركم باستثنائية أردنية فحواها: يبدو أننا نبرع في استقبال اللاجئين، وندفع خمس موازنة حكومتنا عليهم، بينما لا نفعل شيئا من أجل رفد هذه الموازنة من السياحة الأوروبية والروسية التي باتت تبحث عن وجهة سياحية مناسبة..
اشتغلوا أو اتركوا المواقع للشرطة السياحية، فهي تملك «الحس» الأنقى لإدارة مثل هذا الملف بكفاءة واقتدار ونجاح متميز..
الدستور