أخبار البلد- باسم الطويسي
أصدرت كتلة مبادرة النيابية التي أسسها النائب مصطفى الحمارنة تقريرها الاول الذي يستعرض رؤية الكتلة ودورها وإنجازاتها خلال المرحلة الماضية، وفلسفتها في فكرة الاشتباك الايجابي مع الحكومة، في الوقت الذي تحافظ الكتلة على استمرارها وعبورها للدورة العادية الثالثة للمجلس النيابي، مع وجود احتمالات كبيرة لعبورها للمجلس القادم ايضا بعدما سجلت تجربة غير مسبوقة في الاداء البرلماني في تاريخ المجالس النيابية الاربعة الاخيرة.
مرت تجربة الكتلة بسلسلة من التحولات تعكس صيرورة سياسية منطقية؛ فقد أطلقت "مبادرة" في بداية الأمر على شكل ائتلاف نيابي في بداية عمر المجلس الحالي وتقدمت بوثيقة للشراكة مع الحكومة وعيون مؤسسيها على مطبخ صنع السياسيات العامة باعتبار ذلك المكان هو المربع الأهم في دور المجلس والمقياس الذي تقاس من خلاله قوة تأثير المجلس ونفوذه في الحياة العامة؛ بعيدا عن النهج الذي حول البرلمان وكتله على مدى نحو عقدين إلى مجرد جسر لنقل المطالب والتوسط او ساحة للمناكفات السياسية.
في النصف الثاني من عمر المجلس انتقل الائتلاف النيابي الى كتلة نيابية بالمعنى القانوني، وضمت الكتلة الجديدة وجوها من تيارات سياسية متعددة وأفرزت سريعا بنية مؤسسية في الأداء البرلماني نقلت الكتلة النيابية إلى طاولة صنع السياسات العامة في مجالات مختلفة، الهدف المركزي الوصول الى تحقيق رضا المواطنين عن الخدمات التي تقدمها الدولة، ما يقود الى استعادة الثقة العامة بمؤسسات الدولة التي اهتزت كثيرا في السنوات الاخيرة.
التقرير الاول لكتلة المبادرة مصاغ بلغة سياسية متقدمة وهي لغة غير مألوفة في القدرة على تشخيص احوال البلاد وفي فهم دور البرلمان؛ فهذه وثيقة سياسية تنتمي الى فكرة الدولة وليست إلى حسابات الحكومات او الولاءات السياسية الآنية، توضح الوثيقة الخلفية التي قادت الى نضوج فلسفة الشراكة والاشتباك الايجابي وهي "عمق الأزمة المُتعددة الجوانب التي تمرّ بها البلاد: عجزٌ متفاقم في موازنة الدولة وميزاني التجارة والمدفوعات، مديونيةٌ عالية، أزمةٌ في مجال الطاقة، تراجعٌ غير مقبول في نوعية التعليم بمراحله المختلفة، خدماتٌ عامة تفتقر للسويةِ الواجب توفرها، وبخاصةٍ في الصحة والتعليم والنقل العام، وتراجعٌ في احترام هيبة الدولة وبسط سيادة القانون، إضافةً إلى الظروفِ الإقليمية المتدهورة بانعكاساتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية السلبية على المملكة".
دخلت المبادرة في اشتباك فعلي مع الحكومة في السياسات العامة، والمراقب المحايد يعلم تماما أنها لم تنجح في كل ما ذهبت اليه ولا حتى نصف ما ذهبت اليه، ولكنها أسست لنهج جديد في الاداء البرلماني قائم على ممارسة السياسة بالفعل في حدود الممكن، فقد اتسم اداء الكتلة بالاشتباك الايجابي اكثر من الشراكة في اكثر من ملف، فحينما استخدمت الكتلة كافة الوسائل والادوات للتأثير في السياسات المستهدفة مثل ممارسة الضغوط وعقد الاجتماعات والمؤتمرات وتقديم الوثائق والخطط واقتراح السياسات والسياسات البديلة، أوجدت هذه الحالة اشتباكا حقيقيا وفر بيئة محفزة للادارات الحكومية للانتقال السلس مثلما حدث في ملف التعليم العام، واحيانا دخلت في اشتباك من نوع آخر ومشت على حد السيف مثل اقرار التسهيلات الخاصة بأبناء الاردنيات المتزوجات من غير الأردنيين. فيما استطاع الاشتباك الايجابي الانتقال الى حيز الشراكة في ثلاثة ملفات اساسية هي السياحة والطاقة والنقل.
في أجواء الانتقال الى البرلمان الجديد المتوقع خلال العام القادم، علينا مراجعة الاداء البرلماني بجدية ومهنية هذه المرة، فلا يوجد امام الأردن المزيد من ترف التجريب في العمل والاداء البرلماني، فهل يستفاد من تجارب البرلمان الحالي بالانتقال الى ثلاث او اربع كتل برلمانية قوية وليس مجرد دكاكين سياسية، كتل برلمانية لديها رؤية ناجزة للأداء البرلماني وقادرة على ا لاشتباك وخوض المعارك بعيدا عن المناكفات، دفاعا عن فكرتي المواطنة وقوة الدولة.