أخبار البلد-
القُبلة التي قام بها شاب وفتاة في شارع الوكالات، والتقطها صياد صور ونشرها مطالباً بإنزال عقوبة خدش الحياء العام، لم تكن سوى فعل لعاشقَيْن عبّرا عن سعادتهما، ولم يحسبا حساب مجتمع مفصوم متعدّد المعايير. هذا المجتمع الذي سيعلن خرسه وصممه عندما يكون الموضوع متعلّقاً بالغبن الفاحش الذي يلحق بالنساء، ابتداءً من التحرّش الوقح بهن، وانتهاءً بإعلان الذكر ولياً مطلقاً عليهنّ؛ إذ لا أهلية حقيقية للمرأة في القانون الأردني، حيث لا تستطيع أن تكون وليةً على القُصّر إلا إذا تنازل عن الولاية الأب، ولا تستطيع أن تسافر مع أطفالها إلا بإذن الأب، ولا تستطيع أن تجري عملية جراحية لهم إلا بإذن الأب، وهكذا. كما لا تستطيع أن تكون ربة العائلة في دفتر العائلة (إذا كانت عزباء أو أرملة لزوجٍ راحل) إلا إذا كان لها أخ أو ابن ذكر. فهي بالقانون تابعةٌ حتى لو بلغت منصب رئيسة وزراء!
الحادثة السابقة تكشف أيضاً عن الطينة العُصابية لفكر مجتمعنا، حيث يثور فجأةً الاهتمام الشعبيّ بنافل الأحداثِ وأحادية الوقائع. ولن نستغرب إذا ما كان موضوع خطبة الجمعة في طول البلاد وعرضها، عن "الانتهاك السافر للفضيلة! والتآمر على أخلاق الأمة ودينها بالسلوك المستورد من الغرب الكافر!" حيث سيتم التشديد على ضرورة الحَجْر على "بناتك حتى لا يقمن بفعل استهتار هو بحد ذاته فعل رذيلة ما بعدها رذيلة!". وسيتعرّض المصلون وحاضرو دروس العشاء إلى تأنيب طويل وعريض حول التفلّت الذي في المجتمع من سماحهم للمرأة أن تخرج من بيتها وأن تعمل وأن تتعلّم! وسيستدعي جهابذةُ الوعّاظ والأئمة أدلَّةً مأخوذةً من إفتاءات مريضة بالجنس والميسوجينيا (مرض كره المرأة) والجينوفوبيا (الرهاب من المرأة)، بحيث يجعلون من المرأة شيطاناً رجيماً وراء كل فساد وعلّة لكل سقوط.
وقف أحد الدعاة المعروفين في الأردن، المظنون أنه وسطيٌّ ومعتدل ومنفتح الأفق يقول للمرأة التي تخرج سافرة: "خمسةٌ من الرجال سيدخلون النار بسببك: أبوكِ وأخوكِ وزوجكِ وابنكِ وعمُّكِ (ونسي ابن العم الذي يرث أباها معها أيضاً)، لأنهم لم يمنعوك من ذلك"! وكان يفعل بيده هكذا... فارداً جميع أصابعه... خمسة... خمسة... مردداً خمسة... ولن نستغرب أيضا أن يقف هذا الداعية ويعلق على الحادثة بما يوحي بانهيار المنظومة الأخلاقية والإسلام!
نعم! إن المنظومة الأخلاقية منهارة، لا لأن فتى متحمساً قبّل فتاته في الشارع، فمن قبل ذلك بعقود كان السوس ينخر مجتمعاتنا فلا عمل متقناً، ولا صيانة تدوم، ولا صدقَ في قولٍ، ولا أمانة في وظيفةٍ، ولا ولاء للوطن، ولا ذمة ولا عفة في النفس، ولا حرية للتفكير والإبداع... ولا... ولا...
وأسوأ ما في الأمر أن "الداخلية" تجدُّ في البحث عن السيارة التي كان يركبها الفتى، للقبض عليه، في حين أن من يجب أن يُقبَضَ عليه هو المصور، الذي نشر الصورة دون أدنى حياءٍ!
لنتفاءل بالأمل لعلنا واجداته!