الإجابة المباشرة أو المتعددة على السؤال المتكرر حول الإقصاء الخشن بيروقراطيا لرئيس مجلس الأعيان الأردني الأسبق، عبد الرؤوف الروابدة، ما زالت تشغل الأوساط السياسية وإن كانت متاحة ومتوفرة، لكنها لا تكشف جميع الملابسات ولا الخلفيات.
لكن أي سيناريو لإجابة في هذا السياق لا يجيب على التساؤلات الفرعية المتكررة والأكثر حساسية، خصوصا من حيث شكل الإقصاء، حيث ان الروابدة قد يكون رئيس الأعيان الوحيد الذي خدم لعامين فقط، خلافا لتقاليد مستقرة في المملكة كانت تمنح أي رئيس للأعيان أربع سنوات على الأقل في الحد الأدنى.
ما قفز بالروابدة أصلا كرئيس للأعيان قبل عامين بعد ان كان عام 1999 الرئيس الأول للحكومة في عهد الملك عبدالله الثاني هو التقييم المرجعي الذي رأى فيه أحد ثلاثة رموز في الحكم والدولة «وقفوا بجدية» مع النظام في مرحلة الربيع العربي، وهو تقييم لم يخدم الرجل الأسبوع الماضي عندما تقرر الإقصاء وبصورة خشنة.
تمثلت الخشونة في أكثر من نمط وصورة فخروج الروابدة بعد عامين فقط من الخدمة في الأعيان شكل الإشارة الخشنة الأولى.
وعدم إبلاغه رسميا حتى اللحظة الأخيرة تسبب له بإحراج شديد فالرجل حسب إعلامي متخصص بالشؤون البرلمانية تحدث لـ «القدس العربي» كان عندما أبلغ بالقرار يترأس باسم بلاده اجتماعا مع وفد أجنبي ضيف، وعندما خرج من الاجتماع إلى مكتبه فوجئ بأن مساعدي خليفته فيصل الفايز «يتسلمون المكتب».
فرق التواقيت هنا مهم في الجانب البيروقراطي والتفاصيل الإجرائية مسؤولية رئيس ديوان الملك فايز طراونة والهدف المحتمل مباغتة الروابدة ومنع التقاطه أي نفس قبل إبلاغه بالقرار رسميا وبطريقة غير معتادة.
خلافا للمألوف أيضا لم يحظى الروابدة بـ»رسالة ملكية» تشكره على جهده وتنطوي على تكريم أدبي له ولم يحظ بإستقبال رسمي عشية رحيله عن وظيفته العليا.
التفاصيل بدت مرهقة لبيروقراطي عتيق ومحنك مثل الروابدة فقرر احتياطا توجيه رسالة بدوره للملك، معربا عن قناعته فيها بأنه سيبقى جنديا وفيا ومواليا.
حسب خبراء جرعة إظهار «الولاء» والامتثال في رسالة روابدة العلنية لم تكن ضرورية أو معتادة، وإن كانت تعكس خلفيته كرجل دولة مسؤول، لكنها جرعة أثارت انتقادات حادة ضده، وصلت لحد موقف علني ساخر للمعارض ليث الشبيلات يتهمه فيها بـ»التملق لولي النعم رغم طرده».
الأهم، ما حصل لاحقا.. رئيس الأعيان الجديد فيصل الفايز «يغمز» في رسالة جواب للملك على تعيينه من قناة الروابدة مع إشارة لعدم الالتزام عند الأخـير ووزير البـلاط الأسـبق مروان المعشـر «يصـفق» خـلافا لـعادته لقرار إقالة الروابدة، ويـحتفل بالإجـراء ويعتـبر الخـطوة مهـمة وعمـيقة وإصـلاحية بامتياز.
بطبيعة الحال لا توجد روابط بين المعشر والفايز سوى انهما خدما سابقا في موقع «وزيرالبلاط» وأهدافهما من «التدفيش» بشخصية من طراز الروابدة مختلفة ومتعددة ويمكن ان تندرج تحت بند تصفية الحساب.
ثمة ما هو أكثر حساسية في ربط الأحداث بالنسبة لبعض المجسات المتخصصة بالمناكفة فالاعتداء على «مركز أمني» في مدينة «الصريح» الصغيرة شمال البلاد قد – نقول قد – تكون رسالة لا بد من دراستها فهذه القرية الصغيرة التي أصبحت مدينة صغيرة منظمة تدين اجتماعيا بالفضل لابنها الأبرز في عمان وهو الروابدة شخصيا.
الصريح هي مسقط رأس الروابده وبعض الجهات تدقق في الحيثيات لكي تعرف ما إذا كان الإنفعال الأمني الذي شهدته المنطقة على صلة بشعور بعض الطبقات الاجتماعية بأن رموز مناطق الشمال في نطاق الاستهداف والشغب حيث لا توجد أدلة تثبت وجود رابط ولا توجد قرائن معاكسة في الوقت نفسه.
بكل الأحوال تبقى الطريقة التي تم فيها إقصاء الروابدة حدثا حقيقيا في المستوى المحلي أثار ويثير المزيد من الجدل ليس لأن الرجل قوي وصلب ومهم ولديه عمق اجتماعي ومن اللاعبين الأساسيين في النخبة فقط.
ولكن أيضا ـ وهذا الأهم – لأن الطريقة المشار إليها أقلقت بعض مراكز «القوى المحافظة والبيروقراطية» التي بدأت تتلمس رأس بعضها مع ان المشاغبين الذين مهدوا ونفذوا إقصاء الروابدة هم زملاؤه الذين ينتمون للطبقة البيروقراطية نفسها وبصورة خاصة الحديث هنا عن زميليه فايز طراونة وعبدالله النسور حتى وإن لعب نشطاء اليسار الليبرالي المسيحي «كما يسميهم روابدة نفسه» من المساهمين الثانويين.
إقصاء الروابدة الفايز «يغمز» ضده والمعشر «يصفق» والشبيلات «يسخر»
أخبار البلد - اخبار البلد-