أهمية التقريرين تكمن في أنهما صادران عن مؤسستين مصريتين حقوقيتين مستقلتين، تتمتعان بدرجة عالية من الصدقية والاحترام. ثم إن الذين أعدوهما هم مجموعة من الباحثين الوطنيين الشجعان، الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن كرامة وإنسانية المواطن المصري، بصرف النظر عن هويته أو ما هو منسوب إليه.
لقد ذكرت أن التقريرين يستحقان الاهتمام، وعنيت بذلك أولا أن يتم التثبت من دقة المعلومات التي وردت فيهما، وثانيا أن يطرح ما يتم التحقق منه على الرأي العام إعمالا للشافية من ناحية، لإطلاع المجتمع على ما يجري في محيطه. ومن ناحية أخرى لكي يوضع الأمر أمام الجهات المعنية في الدولة وكذلك المنظمات الحقوقية، لكى يتحمل كل طرف مسئوليته السياسية والقانونية والأخلاقية.
تقرير المسار الديمقراطي هو الأول من نوعه الذي يفترض أن تصدره كل سنة مبادرة «محامون من أجل الديمقراطية»، بعدما أطلقتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، التي يديرها الحقوقي المعروف الأستاذ جمال عيد. وقد قام بعملية الرصد والمتابعة تسعة من المحامين ذوي الخبرة، وعرضوا نتائج جهدهم في ٧٥ صفحة سجلوا فيها أبرز الممارسات ذات الصلة بالديمقراطية، سواء تمثلت في احتجاجات أو محاكمات أو قوانين وإجراءات. ونظرا لتعدد تلك الممارسات فإن معدِّي التقرير اعتبروه عاما «معتما ومتعثرا» من الناحية الحقوقية. من الخلاصات المهمة التي تم رصدها ما يلي:
* إجمالي الفاعليات الاحتجاجية التي وقعت خلال عام ٢٠١٤ وصل إلى ١٥١٥، موزعة كالتالي: ٨٢١ مظاهرة للإخوان وتحالف دعم الشرعية ــ ٢٨٧ احتجاجا اجتماعيا وعماليا ــ ١٠٠ احتجاج للقوي الديمقراطية المدنية ــ ٣٠٧ مظاهرات لطلاب الجامعات.
* المحاكمات ذات الطابع السياسي عددها ١٧٠.
* أحكام الإعدام التي صدرت عددها ١٤٧٣ حكما. وبعد نقض بعضها ألغى ٩٩١ منها، وتم تأكيد ٢٩٤ حكما. ولايزال أمام المفتي ١٨٨ حكما آخر لم يتأيد فيها الإعدام.
* العمليات الإرهابية التي تمت خلال العام وصل عددها إلى ٨٦ عملية. كان نصيب القاهرة منها ٢٩ عملية. أما سيناء فقد تمت فيها ٣١ عملية. وهذه هي النسبة الأكبر. أما بقية العمليات فقد توزعت بنسب متفاوتة على بقية المحافظات.
* المحتجزون لحساب القضايا السياسية نحو ٤٢ ألف شخص، توزعوا على مختلف سجون الجمهورية.
* المدنيون الذين قدموا إلى المحاكمات العسكرية عددهم ٨٥٧ شخصا منهم ١٥٤ طالبا.
تقرير «أرشيف التعذيب في شهر فبراير» (٢٠١٥) أصدره مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب. وتضمن توثيقا لوقائع التعذيب التي مارستها الأجهزة الأمنية بحق المواطنين من اليوم الأول في الشهر وحتى نهايته. واعتمد التوثيق على شهادات إخصائيي الطب الشرعي وأقوال الضحايا في داخل السجون وخارجها. ورصد التقرير ٨٢ حالة من ذلك القبيل. آخرها قصة المحامي الشاب كريم حمدي(٢٣ سنة) الذي قتل في قسم المطرية بشرق القاهرة. وقد أثبت تقرير الطبيب الشرعي أنه تعرض لضرب شديد أحدث كسورا في عشرة أضلع وأدى إلى قطع لسانه. وتمثلت أبرز حالة تعرض لها هي قصة المعتقل محمد عبدالعاطي الذي كان محتجزا في مستشفي إمبابة العام، الذي أثبت الطب الشرعي أنه قتل بأربع رصاصات أطلقت على صدره. وهناك تفاصيل أخرى كثيرة وصادمة، لا مجال لاستعراضها لأسباب مفهومة. إلا أنه استوقفني فيها أن قسم شرطة مدينة المنصورة كان له النصيب الأوفر من وقائع التعذيب المذكورة، إذ تم توثيق ١٣ حالة تعذيب وقعت فيه خلال شهر فبراير.
أعيد التذكير بأننا لا ينبغى أن ننطلق من التسليم بمضمون التقريرين إلا بعد التحقق من صحة الوقائع المذكورة فيهما. وفي كل الأحوال فإننا لا نستطيع أن نتجاهلهما كما فعلت وسائل الإعلام المصرية. ولابد أن نحمدالله أن نصيهما متوافران على الانترنت، الأمر الذي أنقذها من سيف حظر النشر الذي بات من آليات التستر على الفضائح ودفن الرءوس في الرمال.
لا يقولن أحد إن النشر يشوه سمعة البلد ويسيء إلى النظام، لأن حدوث الوقائع التي تضمنها التقريران هي أكثر ما يسىء إلى سمعة البلد. وبالدقة فإن ما ندعو إليه هو تطهير السمعة وتنقيتها من البقع السوداء التي تطرأ عليها. ولا ينبغي أن ننسى في هذا الصدد أن تقرير التعذيب الذي أعلنته في شهر ديسمبر من العام الماضي لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأمريكي بعد خمس سنوات من التحقيق الذي شمل ٦ ملايين وثيقة وظفه النظام لصالحه. فأعلن الرئيس أوباما أن بلاده تعترف بالخطأ إذا وقع لأن المبادرة إلى إصلاحه لاستعادة الثقة في الدولة أفضل من التستر عليه بما يؤدي إلى فقدان تلك الثقة وتدمير سمعة الدولة.
لقد تجاهلت وسائل الإعلام المصرية التقريرين، حيث شغلت منابرها الإعلامية في الأسبوع الماضي بقصة قتل كلب الهرم وترشح راقصة من الدرجة الثالثة للانتخابات البرلمانية واشتراك زوجة محافظ الإسكندرية في بعض اجتماعاته. أما وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية فقد أبرزت خطبة السيد ياسر رجب سفير مصر في بوروندي أثناء احتفال أقيم بمناسبة تقديم مصر بعض المساعدات اللوجستية إلى لجنة الانتخابات هناك. وفي الاحتفال ألقى كلمة أعلن فيها أن مصر قدمت تلك المساعدات إسهاما منها في تشجيع المسار الديمقراطى في بوروندي! ــ وهو التشجيع الذي صرنا نتمنى أن نلمس أثره في داخل مصر!