استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2015 تخفي إسرائيل تماما من
مقدمة الوثيقة الموقعة من الرئيس أوباما ومقدمة الرئيس التي ذكر بها دولا عدة
كحلفاء أو كخصوم لم تذكر إسرائيل، بل أن الوثيقة كلها لم تذكرها إلا في الجزء
الخاص بالشرق الأوسط.
لا يعني هذا تراجع اهمية اسرائيل، بالنسبة لواشنطن، فما زالت جوهرية
بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية، غير ان الكيفية التي يتم تبينها لحماية
اسرائيل باتت مختلفة عما سبق.
مايهم واشنطن في المنطقة اسرائيل، والنفط، واستمرار تدفقه للحلفاء في
العالم، خصوصا، ان واشنطن ستصبح المنتج الاول للنفط في العالم، ان لم تكن اصبحت
فعلا، حتى لاتبقى أهمية المنطقة في تقييماتنا مرتبطة بالنفط فقط، كما ان الخطر
الوحيد، بخصوص اسرائيل والنفط، يتعلق فقط بالجماعات السياسية والدينية المتشددة.
من قراءة استراتيجية الأمن القومي الامريكية، هناك اعتراف خطير يقول
«امكانات أميركا ليست بلا حدود» وهذه أول مرة تعترف واشنطن ان المراهنة عليها يجب
ان تخضع الى اعادة تقييم، لان هناك ملفات ضاغطة على الادارة الأميركية، تمنعها من
الذهاب بعيدا في مغامرات غير مأمونة في المنطقة، على طريقة حربي العراق
وافغانستان، وبدلا من ذلك تستبدل الحرب البرية والمشاركة فيها والتورط في الاقليم،
بحروب بالوكالة، او بتوسعة قاعدة الحلفاء، بحيث تكون واشنطن طرفا رئيسا، مع اطراف
كثيرة، ودون ان تتحول الى طرف وحيد كرمى لاي احد.
أهمية المنطقة تراجعت بشدة، وربما حال واشنطن يقول «دعوها تحترق»
مادام الحريق بعيدا عن اسرائيل، هذا فوق انتقال الصراع الكلي الى مناطق اخرى في
اسيا، وتراجع اهمية النفط، في المنطقة ولو جزئيا.
على حد تعبير دبلوماسي اميركي « على الدول العربية ان تشكر الولايات
المتحدة لانها اشترت النفط من العرب، ولانها سمحت ببيع النفط العربي، وبيعه،
فالعرب عليهم واجب الشكر، وواشنطن ليست المضطرة لشكر العرب لانهم يبيعون لها النفط».
في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2015، تغيرات مهمة، فأهمية
المنطقة تراجعت، وواشنطن تعترف ضمنا بأن قدراتها للتورط في المنطقة تراجعت ايضاً،
وباتت تستعمل وسائل بديلة عن التورط المباشر، عبر توزيع الاحمال على اهل المنطقة
سياسيا وعسكريا وامنيا واقتصاديا، وعبر الانتقال من الموقع المتورط في الازمات،
الى الذي يديرها، دون ان يدفع مالا الا القليل جدا، ودون ان يتورط برجال في رمال
الشرق الاوسط المتحركة.
ربما يمكن الاستنتاج حقيقة واحدة، تقول إن الولايات المتحدة
الاميركية، تعتمد اليوم سياسة الاخلاء في المنطقة، اخلاء نفوذها الكلي، واحلال
اسرائيل كقوة عظمى في المنطقة، تكون هي المسيطرة على المنطقة وشعوبها وثرواتها،
وهذه هي النتيجة الحتمية، مالم تحدث تغييرات عاصفة في المنطقة.
الذين يستغيثون بواشنطن من اجل حروب برية، ومن اجل منع انهيار
المنطقة، والمساعدة في صياغتها، عليهم ان يعرفوا اليوم ان واشنطن غير مهتمة ابدا
بكل هذه الاستغاثات، ولايعنيها سوى امن اسرائيل الذي مايزال محفوظا، فيما النفط
تراجعت اهميته، مقارنة بالدم الاميركي الذي استعاد موقعه في سلم اولويات الادارة
الاميركية