وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى زاوية حرجة في الأردن، وخاصة بعد الفصل الجماعي لقيادات مؤثرة في الجماعة، وبعضها، يصنف كقيادات تاريخية، وتعيش الجماعة صراعا داخليا سينعكس بالضرورة على علاقتها مع مفردات البيئة السياسية في الأردن، والتساؤل المهم هو حول مغامرة الجماعة باتخاذ خطوة تفقدها مرونتها في علاقتها السياسية المضطربة، فالجماعة اليوم تحولت إلى منصة للأكثر تطرفا ونزقا وعدوانية.
كانت جماعة الإخوان جزءا من العمل السياسي الوطني، بغض النظر عن الاختلافات الجوهرية حول رؤية كل من الدولة والجماعة لبعض القضايا، ففي النهاية فإن الإخوان جماعة أيديولوجية، وآراؤها تعبر عن مرجعيات تخص الجماعة، وفوق ذلك كانت جماعة الإخوان في الأردن عنصرا مؤثرا في صياغة توجهات الجماعة على المستوى الدولي، ولكن السنوات الأخيرة حولت الجماعة إلى مجرد مكتب محلي يمثل التنظيم الدولي، ويدخل بالتالي في معارك ليست أردنية ولا يمكن ترجمتها إلى الموضوع المحلي بأي شكل أو طريقة.
بينما كان المتابعون يتوقعون أن يتساءل الإخوان عن تراجع شعبيتهم، وأن يتخذوا التدبيرات اللازمة للعودة إلى الشارع السياسي، فإنهم فضلوا أن يؤكدوا على مواقفهم العدوانية تجاه المجتمع والدولة، وبدلا من وقوف الإخوان مدافعين أولا عن دينهم وثانيا عن وطنهم في وجه الهجمة الداعشية، فإنهم اتخذوا مواقف غائمة وتحتمل التأويل، وكأنهم انخرطوا بالكامل في ثأرية الإخوان في مصر، وندبهم على الهيكل الذي قوضته تجربة فاشلة في الحكم، وبعبارة أكثر صراحة، فإن الإخوان في الأردن يبدون وكأنهم تعاملوا مع الأردن بوصفه ولاية في مشروع إقليمي واسع، وهو ما لا يليق ولا يستقيم منطقيا أو أخلاقيا مع تاريخ علاقتهم بالدولة الأردنية.
همام سعيد يتصرف بديكتاتورية واضحة، ويستمر في عملية اختطاف الجماعة، وينم ذلك عن أنانية مفرطة، فالجميع يحتاج إلى جماعة فاعلة وشريكة تسهم في تحديات كبيرة، وكان يفترض بالإخوان أن يحشدوا أداءهم في مواجهة التحديات التي ترتبها داعش ومشتقاتها، بوصفهم - حسب خطابهم المعلن - يمثلون الإسلام الوسطي، ولكنهم بدلا من ذلك تحولوا إلى صداع دائم في الوسط السياسي الأردني.
إن تصويب وضع الإخوان الذي يطالب به عبد المجيد الذنيبات بخصوص العلاقة التي تربط جماعة الأردن بالجماعة الأم في مصر، هو مطلب مشروع وضروري، فسعيد ومجموعته يفضلون أن يتعاملوا من منطق الوكيل للجماعة في مصر، وأن يضعوا مقدرات الجماعة في خدمة الصراع المصري، وهو ما لا يمكن قبوله من جماعة طالما ادعت أنها تعمل من أجل الأردن ولمصالحه وضمن كينونته الوطنية، وفض الاشتباك الضروري سيسهم في إعادة صياغة ومركزة للجماعة بعد الاضطراب الذي عايشته بعد تبنيها لأوهام الشاطر وبديع في مصر.
لقد أطلق خيرت الشاطر رصاصة عشوائية على رأس الجماعة في مصر حين استحوذ على القرار بصورة اتسمت بالانتهازية العالية، وحولت الجماعة من موقع الشريك إلى الخصم، ورفضت أي تسوية يمكن أن يمثلها تيار عبد المنعم أبو الفتوح، ويبدو أن مدرسة الشاطر بدأت تطغى على الجماعة في الأردن، إلا أنه يجب التأكيد على أن المزاج العام للشخصيات المؤثرة في الجماعة، ومنها المشمولين بالفصل الجماعي، لا تستطيع أن تتعايش ولا أن تتقبل نموذج الشاطر في الأردن، وعلى ذلك يتوجب على الجميع من المرتبطين بالجماعة حاليا وسابقا أن يقولوا كلمة الحق وأن يتخذوا الموقف الوطني نحو التصويب والتصحيح.