انزعج الشارع العربي والإعلام الأهوج وأصحاب أعمدة ومقالات من الأزهر لأنه صرّح بعدم تكفيره داعشاً، وكأنّه بهذا يمنح رخصة شرعيّة لهذا التنظيم أن يمتد وأن يتطاول! ولكن الأمر غير ذلك. فإدانة فرد أو جماعة خارجة على هذا النّحو الوحشي لا تحتاج إلى "شهادة تكفير" حتى تكون مكافحتها واجباً قومياً وإنسانياً، ذلك أنّ استصدار مثل هذه الشهادة لا يعني شيئاً في الواقع المتفاقم، سوى التراشق بالتكفير؛ حيث تنظيم "داعش" يكفّر ما عداه، وما عداه يكفّرُ داعشاً! وهي لعبة، إلى أنها سخيفةٌ، فمملّة. وما حاجتنا إلى التكفير ما دامت جميع الشرائع الكونية والإنسانية تجرّم؟ حيث ليست أفاعيل "داعش" وأخواته من الالتباس بحيث نحتاج إلى فقه يدين وإفتاء يوضّح حدود الحلال والحرام في التوحّش وإدارته المقزّزة. وتلك عقليّة بالغة التبسيط من جهة، ومشبّعة بالشوق إلى استخدام "التكفير" كأداة ماورائيّة للعقاب أو إقامة العدالة، من جهة أخرى. وهو شوق مستتر لدى أولئك الذين يتعاظم لديهم الغضب من استخدام المجموعات الإسلاموية لآليّة التكفير في الخصومة السياسية، حتى إذا منحهم التاريخ فرصة لتوظيف آليات أخرى تعبِّرُ عن وعي مختلف تخيّروا أسوأ ما أنتجه الإرهاب الفكريّ المتمثّل في منح صكوك للإيمان وأخرى للهرطقة. ألسنا، وقد كان كفاحنا طويلاً لخلق مسار للحريّات، قد تنازلنا عن رؤية ثاقبة للمضمون الاستبداديّ المستخدم في الفقه المتدهور الذي يحتلّ الساحة، اليوم، والعقول؟
ثمّ ما الذي يضيرُ داعشاً لو كفّرته الكرةُ الأرضية والمجراتُ مجتمعة؟ وهل أنه كفصيل "مؤمن" سيرفعُ ذلك عنه الجرائم التي يتفنَّنُ في إخراجها؟ وهل أنه كفصيل كافر سيقتصُّ لضحايانا وبلادنا المنتهكة؟ أم أننا نحتاج إلى إثباتات ومزيد من الأدلة والبراهين على أنّ ما يفعله "داعش" ليس من الإسلام؟ أي أننا نبرأ بأنفسنا من تهمة الداعشيّة، ونبرئُ إيماننا من شبهة التتاريّة الجديدة!
وما الذي يضيرُ داعشاً لو اجتمعت أمم المسلمين للبحث في محاربته عقائدياً، ما دام في قلب كلّ من هؤلاء داعشيٌ صغير، يُفتي ويخوِّنُ ويُكفِّرُ ويوزع شهادات، ما أُتيح له؟
دعونا لا نفقد الأمل....!