قبل عامين، وتحديدا (16 شباط 2013)، خرجت إلى الواقع السياسي الأردني مبادرة "زمزم"، بعد ان اختمرت عامًا آخر في عقول قيادتها، وهي برغم التسميات العديدة، كانت انشقاقًا وانفصالًا غير معلن رسميا عن جماعة الاخوان المسلمين.
يومها؛ وصف الدكتور محمد المجالي، القيادي في الاخوان المسلمين، الناشط في المبادرة، ونقلت تصريحًا على لسانه لأول مرة وكالة الانباء الاردنية بأن ("زمزم" سلمية علنية مستقلة، للوصول الى مجتمع متمكن، متراحم، ودولة قوية راشدة، وليست انشقاقا عن حركات أو أحزاب، ولا مصادمة مع أي تيار).
منذ ذلك اليوم؛ والجماعة تمر في أخطر مراحلها، وتوقع كثيرون انشقاقًا عموديًا في الجماعة.
خطورة ما مرت به الجماعة خلال العامين، أن الخلافات لم تعد بين الطبقات العليا من القيادة، بل انسحبت على الكوادر الوسطية في التنظيم، والاخطر ــ مع الاسف ــ أن اساس هذه الخلافات مبني على الاصول والمنابت لأعضاء الجماعة، لهذا حاول قادة "زمزم" نفي فكرة "اردنة الاخوان".
تنظيم الاخوان حسب قيادي اخواني سابق يضم نحو 8 آلاف عضو، بحيث ارتفع العدد بشكل لافت في السنوات الاخيرة.
بداية الخلاف الجدي في الاخوان، ظهرت بعد فوز المراقب العام الدكتور همام سعيد، وسيطرة تياره على مجلس الشورى، التيار الآخر، الذي انشغل في "زمزم" ورفض المشاركة في المناصب القيادية للاخوان، المكتب التنفيذي وغيره، وانسحب تاركا التيار الآخر ينفرد بكل شيء، معتقدا ان هذه الاوضاع لن تستقيم طويلا، واتهم التيار الآخر بانه استغل المال السياسي للفوز بقيادة الجماعة، ووصلت هذه المخالفة الى التنظيم العالمي.
قيادة التيار الذي يمثله سعيد، تغطي الاتهامات بالاقليمية التي تُوجَّه له من خلال وجود قيادات بارزة ومؤثرة ومقررة في التنظيم، مثل القيادي الاول في العمل التنظيمي والسياسي في الجماعة زكي بني ارشيد، الذي حكم بالسجن الاحد لمدة سنة ونصف السنة، وهو يمثل الحلقة الاهم في التنظيم، حتى انه تغلب في الانتخابات الداخلية على الرمز الاخواني التاريخي الدكتور اسحق الفرحان في عقر دار شعبته وهزمه بفارق كبير، وبني ارشيد يُعتبر اللاعب الاول في التنظيم، وينقل عنه عدم تخوفه من أية نتائج لأي انشقاق في الجماعة.
تيار "زمزم" كما كان ينقل عن قيادته، انه لم يفكر في الانشقاق، وانما ذهب الى فكرة المبادرة، من أجل الضغط على قيادة الجماعة، كي تفتح الابواب مجددا لعودتهم الى صفوف القيادة العليا، لكن القيادة، او التيار المؤثر فيها، لم يلتفت كثيرا لهذه المطالب، برغم تصريحات كثيرة اطلقها القيادي الاخواني سالم الفلاحات؛ بان المبادرة ليست انشقاقا، وهو وقيادات اخرى في التنظيم يتضامنون في الخفاء مع مطالب "جماعة زمزم" لكنهم لا يعلنون ذلك.
بداية الخلاف في الاخوان، كان على أجندة العمل أردنيا وفلسطينيًا وعربيًا، ومدى الارتباط في التنظيم العالمي للجماعة، وعُقّال السياسة، منذ إعلان مبادرة زمزم يؤكدون ألّا مصلحة للدولة في دعم انشقاق بهذا الشكل في جماعة الاخوان، لأن خطورة التعامل مع أي طرف في المستقبل سوف تكون صعبة، لا بل كارثية، اذا خرج "عُقّال الجماعة" وانضموا لطرف من دون آخر، فعندها تكون الساحة جاهزة لولادة جماعات متطرفة في الطرفين، لا تنتمي لفكر الجماعة ولا سلوكها السياسي، وعندها فإن عملية ضبطها أصعب بكثير، من ضبط جماعة عاقلة راشدة.
لهذا؛ تركت الدولة الجماعة وخلافاتها كي تُحسم داخليًا، وهي تعرف أن حجم الخلافات واسعة، ومن الصعب التفاهم عليها، إلى أن وصلت إلى قرار قيادة مجلس الشورى بفصل قيادات زمزم، وهي تعرف جيدًا أن هذا القرار سوف ينسحب عموديًا على التنظيم، وعلى القيادات الوسطية، وعلى الأقل التي حضرت اجتماعات اربد والكرك وعمّان.
مؤسف أن تكون جماعة إسلامية ترفع شعار الاسلام هو الحل، وفي عقول بعض قياداتها أمراض جهوية واقليمية، تجاوزها الشعب في المحطات المفصلية، وخير مثال على ذلك؛ اللحمة الوطنية التي ظهرت بعد استشهاد الطيار معاذ الكساسبة.