لا تبدو هناك أي نبرة جديدة أو مغايرة في رؤية الدولة للعلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، كما توّهم بعض المحللين والسياسيين، أو حتى تأمّلوا؛ بأن تكون ثمة أجواء انفتاح سياسي داخلي، موازية ومصاحبة للمناخ الوطني المسكون بالوحدة والتآلف والتعاضد بين الجميع.
على النقيض من ذلك؛ الرسائل الأخيرة من الدولة تدفع باتجاه القلق، والشعور بأنّ هناك تسخيناً لخط التصعيد مع الجماعة، بهدف إضعافها أكثر داخلياً وسياسياً. وهو توجّه يشي بأنّنا ما نزال نتمسّك بأجندة عربية؛ فضلاً عن نتائجها وحيثياتها على المشهد السياسي العربي عموماً، فإنّها لا تنتظر قراءة ما قد يترتب على تغييرات ربما تطاول المعسكر المحافظ العربي بعد تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية، وما صاحبه من تكّهنات وإشارات على تغييرات محتملة في السياسة الخارجية.
الحكم على زكي بني ارشيد، أمس، بالحبس لمدة ثلاثة أعوام، قبل تخفيض الحكم إلى عام ونصف العام، من قبل محكمة أمن الدولة، وبعيداً عن مضمونه القضائي- الذي لا نتدخّل فيه-، هو من الزاوية السياسية والدلالات المنطقية، لا ينسجم مع الإفراج عن منظّر التيار السلفي الجهادي أبي محمد المقدسي؛ عاصم البرقاوي.
رأينا بالأمس أنّ الإفراج عن المقدسي، وظهوره على فضائية "رؤيا"، بمثابة "ضربة معلّم" من قبل المؤسسات المعنية؛ إذ استطاعت أن تواجه رواية تنظيم "داعش" في موضوع الشهيد معاذ الكساسبة برواية مضادة، صادرة عن أحد أهم قيادات التيار الجهادي ومؤسسيه المعاصرين. وحتى إن توسّط في الإفراج عن الشهيد الطيار معاذ، وساعد كذلك في ضبط خطاب التيار الراديكالي أردنياً، إلاّ إنّ المقدسي ينتمي إلى هذا التيار الذي لا يؤمن بالدولة، ويكفّر الدستور، ولا يقبل العمل السياسي، ويرفض الديمقراطية، بينما زكي بني ارشيد، وإن اختلف مع المؤسسات والسياسات الحكومية، وإن تجاوز الخطوط الحمراء (في عرف الدولة) أحياناً، فإنّه ينتمي لتيار سياسي يدخل في اللعبة السياسية ويقبل بالديمقراطية.
بالضرورة، فإنّ سيادة القانون هي السقف الذي يقف الجميع تحته. ومهما كانت صفة الشخص، فإنه تحت القانون لا فوقه. لكن ذلك ضمن معادلة واضحة، رسمتها التعديلات الدستورية الأخيرة؛ إذ قصرت مهمات محكمة أمن الدولة على قضايا يخرج من حيّزها كلياً ما يتعلق بالحريات العامة وقضايا الرأي والمواقف السياسية، لكن ما يحدث اليوم يلغي تماماً أي أثر للتعديلات الدستورية الأخيرة فيما يخص صلاحيات محكمة أمن الدولة.
ما هو أخطر من كل ما سبق، ويحمل مؤشرات مقلقة وغير إيجابية، يتمثّل في تشجيع الدولة ودعمها لنخبة من قيادات الجناح المعتدل في جماعة الإخوان، للإقدام على تسجيل حركة سياسية جديدة باسم جماعة الإخوان المسلمين، ما يتجاوز الانشقاق إلى "شطر" الجماعة من الداخل، على أسس جهوية هويّاتية. وهو ما أدى إلى إقرار مجلس الشورى في الجماعة، في جلسته الطارئة مساء أول من أمس، "فصل" أي عضو مشارك في تسجيل الجماعة (هناك ما يقارب 45 قياديا، من بينهم قيادات في حركة "زمزم".
من الصعب القول إنّنا أمام سياسة مرسومة للتصعيد الكبير مع جماعة الإخوان خلال الفترة المقبلة. لكن المؤشرات والرسائل الراهنة لا تدفع إلى التفاؤل بأنّنا أمام رؤية بعيدة المدى، بينما كنا نأمل أنّ تكون المرحلة القادمة عنواناً للانفتاح السياسي والتوافق الوطني، ليلتف الجميع مع الدولة في مواجهة التطرف، ونستثمر هذه الحالة الوطنية لبدء صفحة جديدة تصلّب الجبهة الداخلية وتزيد لُحمتها!