كنا نقرأ كتبا لتعليم اللغة، عنوانها، كيف تتحدث الاسبانية او الايطالية، في خمسة ايام، ولم نكن ننجح، لا بتعلم اللغة بهذه الطريقة، ولا عبر هذه المدة القصيرة.
غير ان هذه العناونين، تبدو متواضعة، امام الكتاب الذي نقرأه اليوم، في اليمن، بعنوان: كيف تصبح رئيساً في خمسة ايام، بعد سيطرة الحوثيين على عرش بلقيس، واستفاقة عهد الامامة السابق في جنوب الجزيرة العربية، وهي قصة تستحق التحليل مثنى وثلاث ورباع؟!.
المشرق العربي يعيش مكاسرة دموية بين اربعة معسكرات هذه الايام، والتصفيات ستكون بين معسكرين في نهاية المطاف، لصالح تقسيم المنطقة وتقاسم النفوذ والموارد فيها، وما قصة اليمن الا احد مشاهد الإقليم الأوسع الذي يشهد هذا الصراع.
المعسكر الاول، المعسكر الاسرائيلي وسلسلة تحالفاته العربية والغربية، وفي هذا المعسكر مفردات دينية ومذهبية وقومية، من امم وشعوب، يفترض ان تكون على عداء مع اسرائيل.
اما المعسكر الثاني فهو معسكر الاسلام السني السياسي، وتمثل رأسه تركيا وجماعة الاخوان المسلمين، ووجودهم في دول مختلفة، في مواقع مختلفة، ومعهم دول عربية حاضنة وداعمة.
يأتي المعسكر الثالث، ذاك المعسكر الايراني السوري حزب الله، ونفوذه في سورية ولبنان واليمن وامتداده نحو «جاليات مذهبية» في عدة دول عربية، واسلامية ايضا.
اما المعسكر الرابع فهوالدول العربية السنية، التي يمكن وصفها تارة بالمعتدلة، وتارة بالمراقبة، ومرات بالمتفرجة، واحيانا بالمهمشة، همشت دورها لانها لاتحدد بوصلتها، او لانها غير قادرة، فهي تارة تريد ارضاء كل المعسكرات، وتارة تلعب مع كل المعسكرات، وفقا لكل مرحلة، وهؤلاء -تحديدا- سيذهبون «فرق حسابات» في النهاية.
بين هذه المعسكرات الاربعة تدور الحرب، تدخل اطراف وتخرج اطراف في مرات اخرى، والمراقبون يشعرون احيانا بقوة معسكر دون آخر، وفي مرات تتراجع قوة احد هذه المعسكرات لصالح غيره، غير ان المحصلة تقول، ان المعركة النهائية، ستكون فقط، بين المعسكر الاسرائيلي وسلسلة توابعة العربية السنية، وسلسلة تحالفاته، والمعسكر الايراني وسلسلة تحالفاته في المنطقة.
المثير هنا، ان بعض المعسكرات لعبت دورا في تحطيم بنى معينة لمعسكرات كانت اقوى، لاعتبارات تخصها، لكنها من حيث لاتعلم كانت تصب في قوة معسكرات اخرى تعاديها، اذ يبدو مثيرا هنا إضعاف المعسكر التركي وتوابعه، فيما التقوية هنا تتم للمعسكر الاسرائيلي او الايراني، على سبيل المثال، وكأن هذه الجهود انقلبت في مغزاها النهائي على الساحر وأرانبه في هذا العالم.
من هنا يمكن القول، ان المعركة الكبرى الفاصلة ستكون فقط بين المعسكرين الايراني والاسرائيلي، وسواء اتفقا ام اختلفا، تحاربا ام تصالحا، فإن كعكة المنطقة سيتم تقاسمها بين هذين المحورين، والاغلب ان بقية المعسكرات ستجتهد للحفاظ على وجودها، او الخروج بأقل خسائر في لعبة التقاسم الطوعية او القهرية، وربما سنشهد ترسيما مشهرا جديدا، يعلن فيه كل طرف، لمن يتبع، في سياق الترسيمات.
مثير هنا جدا، هذا العناد وتلك الصلابة في بعض المعسكرات، اذ مع الموارد المالية والبشرية المسخرة في خدمة بعض المعسكرات، نجد ان هناك اصرارا ونفسا طويلا، وربما تحت وطأة اللكمات يمكن اختبار صلابة كثيرين، والمعسكر الايراني تلقى مثلا الاف اللكمات، فلم يتراجع، بل يحقق كل يوم، تمددا اضافيا.
انموذج اليمن دليل، على ان الذي يصبر تحت اللكمات، وتدعمه عوامل محلية واقليمية، يفوز بعرش هذا البلد او ذاك، وفي قصة الحوثيين، مثلا، ظلال كثيرة، اقلها خذلان بقية المعسكرات العربية لليمن، وتركه لمعادلته المحلية، فوق توظيف الحوثيين للعبة المحلية بشكل جيد، لتصب لمصلحتهم في نهاية المطاف، فيصير التباكي على اليمن اليوم، وذرف الدموع، شبيها بدموع التماسيح، فلم يصبح الحوثيون حكاما لليمن، لولا صلابتهم من جهة، وخذلان الاخرين لليمن، فوق خسة بعض القوى السياسية اليمنية، التي سلمت اليمن للحوثيين، في اطار مناكفات داخلية واقليمية.
بهذا المعنى، اصبح عبدالملك الحوثي، اماما لليمن، ملكا لعدن وصنعاء، بيده عرش بلقيس، وفي سياقات المقارنة بين اللغة والعروش، فإن تعلمك للغة اجنبية في خمسة ايام، قد يبدو ممكنا لمن لديه جلد، كما ان تحولك الى رئيس في خمسة ايام، ممكن، اذا لعبت جيدا، واليوم في عمر الدول والحكام، قد يعادل سنة مما تعدون ، ومغزى الكلام اننا في اليمن، وقبل خمس سنوات، وقبيل اطلالة الربيع العربي بقليل، بدأنا نشهد مراسم التتويج، لأئمة اليمن الجدد، ولسان حالهم يقول: القصة فقط اننا عدنا الى حكم اليمن، كما حكمه أسلافنا !