أخبار البلد - د. عيده المطلق قناة
ابتليت الإنسانية في هذا العصر بآفات عديده لعل أخطرها آفة الغلو والتطرف التي غدت بذرة من بذور الصراع والتدمير الذاتي والإنساني.. وقد تكون هذه الآفة - التي ابتلي فيها نفر مهم من شباب الأمة - أخطر ما يواجه أمتنا وهي تمر في مخاضها التاريخي الخطير!
لقد غدت منطقتنا بؤرة ملتهبة.. فما أن تخلصت من " استعمار ما بعد الحربين العالمتين" حتى وقعت تحت موجة جديده من الحروب والاحتلالات والسيطرة الباغية.. وراحت كل القوى الدولية المهيمنة تزج بنفسه في قضايا المنطقة وأزماتها..
نحن اليوم إزاء مجتمع دولي منافق.. وغرب مفصوم مزدوج.. تبنى صدام الحضارات فكانت "الحرب على الإسلام" أول تجليات هذا الصدام.. وقد اتخذت هذه الحرب أشكالا متعددة من الإرهاب الفكري.. حيث هناك إساءة لنبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم).. وتشويه منظم لتعاليم الإسلام وشريعته.. هناك عبث في النصوص وتعد سافر، وتجن غير محمود، وتطرف وغلو وانتهازية على المسلمين ورموزهم المقدسة ومنظوماتهم القيمية.. هناك مبالغة وتطرف في كافة تفاصيل هذه الحرب الخسيسة بما يؤجج مجتمع الكراهية والتطرف الديني وصدام الأديان والحضارات.. الأمر الذي قد يشكل التهديد الأخطر للسلم العالمي؛ ناهيك عن تهديد السلم الداخلي للمجتمعات..
لقد تجاوز الغرب في تعاطيه مع أمتنا كافة الضوابط والمعايير والقيم.. فانتهج العنصرية والابتزاز و"المعايير المزدوجة".. يدعم الاحتلال الصهيوني ويغطي على جرائمه.. ويتحالف مع أنظمة وحكومات استبدادية وفاسدة زرعها ورعاها.. ويغلب مصالحه الاقتصادية والنفطية على "قيم الحرية والديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان"..
وعلى صعيد الأمة لدينا مظلوميات عديدة ومعقده ونمر بأزمات مركبة... فحضارتنا تواجه الاستئصال والإباده.. وأمتنا يجرى تفكيكها أفقيا وعموديا حتى باتت فاقدة لمعاني الوحدة والبنيان المرصوص.. وشعوبنا أمام حالة استلاب كامل لحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. تتعرض لأشكال من القمع والظلم والبغي والعدوان والقتل اليومي والاعتقالات ومحاكم أمن الدولة.. وتعاني من اختلالات فاحشة في موازين العدالة والفرص.. ومن حالة اجتماعية غير متوازنة.. يحكمها التباين الطبقي حيث الثراء الفاحش حد الفجور والفقر المدقع حد الكفر.. وتقاسي صنوف الإهمال والفساد والتخلف والبطالة وغياب التنمية.. شعوب لديها شرائح واسعة من شباب محبط فاقد للانتماء والمسؤولية الجمعية.. شباب مضطرب الهوية فاقد للإيمان.. وحين تخبو جذوة الإيمان تنحسر القدوة وتغيب المرجعيات ويعلو صوت التطرف والغلو.. شباب تحول إلى مجاميع تائهة.. يواجه الموت حرقا وقتلا وغرقا.. والسجون بأشكالها المختلفة السرية منها والعلنية، حيث التنكيل والتعذيب والموت المتعدد الألوان.. والتشرد لجوءا وتسللا وتهريبا، حيث الجوع والبرد والاغتصاب والعنف والابتزاز ومافيات المخدرات والاتجار بالبشر وانتهاك الإنسانية..
لقد شكلت هذه الحالة من البؤس الإنساني والانحراف الفكري بيئة لتفريخ التطرف والمتطرفين.. حيث يندفع آلاف الضحايا محملين بمفاعيل الحقد والكراهية وعمى الألوان واختلاط الرؤى نحو البغي واللاإنسانية والوحشية في الانتقام والثأر حد التفوق في مجال تشويه الإسلام والإساءة إليه على أعدائه الموصوفين..
تعلمنا الطبيعة أن الزيادة كالنقصان، وأن لكل فعل رد فعل يعادله في القوة ويعاكسه في الاتجاه.. فالغلو يستدعي غلواً أبعد وأعمق، والتطرف يتبعه تطرف مقابل..ومن شذ بفكره وقع في المحظور.. لا يلوون على شيء.. كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى..
إن الظواهر الشاذه سرعان ما تطفو على السطح.. ولكنها سرعان ما تخبو وتندثر.. فالغلو والتطرف شواخص على طريق الانقراض.
لا سبيل أمامنا إلا بالعوده إلى المنهج الإسلامي السليم الذي يعيد للأمة وحدتها وعزتها وهيبتها.