لقد واجه الشهيد الطيار معاذ الكساسبة الموت بكل شموخ وكبرياء وأنفة رغم قساوته، فظل واقفاً يُجابه النار التي نالت من جسده الطاهر، إلى أن لقي وجه ربه شهيداً.. فضرب المثل بقوة الأردنيين وصلابتهم ورباطة جأشهم وصبرهم على الشدائد.
لقد حفر اسمه بقلوب الأردنيين والأردنيات جميعاً بحروف من نور، فنام ذلك النسر الأردني الأشم قرير العين، بعد أن فاضت روحه إلى بارئها راضية مرضية، داعياً، موحدا،ً مؤمناً، بقضاء الله، وسيبقى اسمك يا معاذ، يرن في الآذان في مشارق الأرض ومغاربها.
رغم نومك الأبدي، وما ستتركه من فراغ عند أهلك وزملائك وشعبك، إلا أنك أيها النقيب الطيّار، تستحق التهنئة بهذا الشرف العظيم، الذي لا يدانيه شرف، فنلت ما وعد ربُك، الشهادة: صابراً محتسباً إلى الله.. فنزلت بحق من ذاق هذه الكرامة، آيات الكتاب العظيم.. «وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ». دعاؤنا لله جلت قدرته أن يحشرك مع النبيين والشهداء والأبرار في أعلى عليين.
لم نستطع أيها البطل المغوار أن نحبس منا العبرات، ونحن نراك تموت شامخاً، أمام أعيننا بابشع صورة من صور القتل الدنيء، الذي لا ينجم عن متدين مسلم، بل يعكس الوحشية، والتطرف، التي تشبّع بها هؤلاء المارقون المطاردون، الذين استباحوا الدماء، واستمرأوا القتل بلا أدنى رحمة أو شفقة؛ وهم بفعلتهم النكراء خسروا الحلفاء والأصدقاء، فكانت الحناجر من شتى البقاع تقول.. همجية.. وحشية.. بربرية.. الإسلام منها براء.
أَعلمُ أيها النسر، انك حين تخرج من بيتك، تودع والديك وتقبل يديهما، لسان حالك يقول: لقد نذرت نفسي أن أحمي سماء هذا الوطن الغالي، تحت راية هاشمية خفاقة يقود لواءها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، منذ أن التحقت نسراً من نسور سلاح الجو الملكي، وهذه الرسالة التي توجهها لمحبيك، تشي بأنك ستكون مشروع شهيد.. وها قد نلت ما تمنيت، بعد أن أديت الواجب الوطني ببسالة وشجاعة عز نظيرها.
انك حين استقبلت الموت وقفت وقفة الشجعان، الذين يقولون دائماً «المنية ولا الدنية» فسطّرت للتاريخ صفحة لا تمحوها السنون، وسيحفظها الأجيال جيلا بعد جيل، وستبقى صورتك في ذاكرتنا ما حيينا، فهذه والله مكرمة من الله عز وجل، فإن أحب الله عبده، حبب خلقه فيه، فانظر إلى محبتك في قلوبنا أيها المقاتل الشرس.
لقد حرقوك، ولكنهم لم يحرقوا صبرك، وعزيمتك، التي تستمدها من إيمانك بالله أولاً، ومن أبناء شعبك المخلصين، فهم إن خُيّروا بين الوطن والحياة، حتماً سيختارون الوطن، ويفدون ترابه الطهور بالأرواح، هكذا هم أبطال وصناديد هذا الحمى الطهور، وسيسير على نهجك كل الشرفاء الغيورين على عزتنا وكرامتنا والحفاظ على وحدة صفنا.
نعم، لقد وحدّت الصفوف، فكلنا على قلب رجل واحد، للقصاص من قتلتك، وسوف يأتي اليوم الذي، نشفي فيه الغليل، وننتقم لدمك الطاهر، ونؤكد للأعداء بأن الدم الأردني غالي الثمن، وثمنه لا يكون إلا بالدم.
فلم تكن الأول ولا الأخير، فقد سبقك إلى الشهادة كوكبة من نشامى الوطن، سنظل نتغنى ببطولاتهم،فمن ينسى؟ أحمد كايد عبيدات وهزاع المجالي ووصفي التل وفراس العجلوني وموفق السلطي..؛ الذين نالوا شرف الشهادة بكل كبرياء، وعلياء، وإيمان بالله، ومنهم من ينتظر، للمضي في قافلة العز والكبرياء، ليرفعوا راية النصر المظفرة، لا تثني عزائمهم، هذه المحاولات الرخيصة، التي تريد أن تُضعف الهمم، لكنها عالية-بإذن الله-لا تنحني إلا لخالقها جل وعلا.
عزاؤنا انك وقفت بشموخ، أمام شرذمة لا تعرف معنى الإسلام وسماحته، الذي لا يقبل بقتل الأسير، ولا يقبل بالتمثيل بجسد الإنسان الذي كرمه الله، لكنها مشيئته سبحانه، أن صعدت روحك الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية.