أخبار البلد - موفق ملكاوي -
نحتسب عند الله شهيدنا البطل الطيار معاذ الكساسبة الذي، أقل ما يقال في حقه، إنه وقف شامخا أمام جلاديه من الإرهابيين عديمي الإنسانية، معلنا تضحيته الكبيرة التي سيحفظها له الأردنيون جيلا بعد جيل.
في قصة استشهاد البطل، ثمة ملاحظات كثيرة لا بد من ملاحظتها، وهي التي تستطيع أن تجيب لنا عن كثير من الجوانب التي طرحت للنقاش على مدى الأشهر الماضية، خصوصا صلة التنظيم الإرهابي بالإسلام، وفي ما إذا كانت هذه الحرب أولوية لنا، أم أنها غير ذلك.
المتتبع للأفعال التي ينتهجها هذا التنظيم الإرهابي، لا بدّ له من أن يتأكد تماما من أنه عبارة عن مجموعة من المرضى النفسيين الذين لا يقيمون وزنا لا لدين ولا لإنسانية ولا لأي أخلاق، فهم أشبه بمجموعة من المفترسات التي تمتهن القتل لأجل القتل والدمار والخراب.
في المقابل، لا بدّ من التأكيد على أن "الخطة" التي سار عليها الإرهابيون كانت تتجلى في إحداث بلبلة عامة في الأردن، وذلك من خلال "تسريبات" تقول إن معاذ ما يزال على قيد الحياة، فيما ترفض منح المفاوض الأردني أي دليل يثبت هذا الأمر، في محاولة لزرع بذور الخلاف والفرقة بين المواطن الأردني ودولته، ومحاولة فضّ التفاف الشارع حول جيشه العربي.
تلك خطة باءت بالفشل الذريع، فما أن أعلن التنظيم الإرهابي عن استشهاد الطيار الأردني، حتى وجدنا آلاف المواطنين يعبرون بحرية على مواقع التواصل الاجتماعي، محتسبين عند الله شهيدنا البطل، ومؤكدين أن داعش الإرهابي لا ينتمي إلى الإسلام أو الإنسانية.
ولعلّ الأهم في ما عبّر عنه الأردنيون خلال الساعات الأولى من إعلان استشهاد معاذ، هو الرغبة العارمة بالاقتصاص من القتلة ومن يتعاطف معهم أو مع فكرهم، وفي هذا تصريح كامل بأن هذه الحرب هي حربنا التي يتوجب علينا أن نخوضها، لنخرج أولئك المفترسات من جحورها، قبل أن تنبت لها شجاعة وهمية تبيح لها الاقتراب من حدودنا.
نعم، وبلا هوادة. هي حربنا التي يتوجب علينا أن نخوضها حتى النهاية؛ عسكرية وثقافية واجتماعية، ليتم استئصال هذا الإرهاب من بين جنباتنا، ولكي نعيد للدين الإسلامي ما لصق به من تهم باطلة باتت تشوّه صورته الحقيقية.
ثمة ملاحظة أخرى يمكن استقراؤها في قصة استشهاد الطيار معاذ، وإعدام داعش الإرهابي لرهائن آخرين، وهي مشهد إعدامه الذي نستطيع أن نقرأ في ثناياه أن الإرهابيين يعيشون أياما عصيبة، وأن ضربات قوات التحالف الدولية التي تحاربه بضراوة، قد أثرت كثيرا في بنيته التنظيمية والتسليحية، لذلك باتت تصرفاته أكثر وحشية وتطرفا، كأنما يريد من خلالها بثّ رسائل الرعب في العالم أجمع.
لكننا نعلم دائما أن الإرهاب لا بدّ أن يسقط، وأن الإنسانية هي من ينتصر في النهاية. وأن الشهداء مخلدون إلى الأبد.
رحم الله شهيدنا البطل معاذ الكساسبة، وألهم أهله الصبر.